25‏/06‏/2012

الحرب الأهلية في سورية


شهد لبنان حرباً أهلية بدأت عام 1975 ودامت 16 سنة دامية، تواجه خلالها المسيحيون مع الدروز والميليشيات الإسلامية. وأبدى بعض الأشخاص حذراً طبيعياً من اعتبار النزاع في سورية حرباً أهلية. لكن، بعد أن ندّد مجلس الأمن في الأمم المتحدة «بأقوى العبارات الممكنة» في 27 أيار (مايو) بحكومة الأسد في دمشق بسبب الهجمات التي شنّتها باستخدام الأسلحة الثقيلة على قرية الحولة حيث تمّ قتل 108 اشخاص بمن فيهم 39 طفلاً، يمكن تبرير عدم التعبير عن الحقيقة بالكامل لا سيّما أنّ القتال في سورية يمكن أن يؤدي إلى اندلاع حرب أهلية أخرى على الحدود في لبنان.
لا شك أنّ الحياة لا تزال تسير بصورة طبيعية في بعض أنحاء سورية إلا أنّ التقديرات تشير إلى مقتل 14 ألف شخص في هذا البلد المنكوب خلال الأشهر الخمسة عشر الأخيرة. كما فرّ 400 ألف سوري من منازلهم لا سيّما من حمص ولجأوا إلى دمشق. كذلك فرّ آلاف السوريين إلى تركيا ولبنان والأردن.
وقارن بعض السياسيين والصحافيين الوضع الراهن بما حصل في ليبيا قبل الإطاحة بنظام القذافي. وأظنّ أنها مقارنة سيئة. كما قارن وليم هيغ، وزير الخارجية البريطاني الذي يحظى باحترام كبير، أفعال الرئيس الأسد الوحشية من خلال الاستعانة بالجيش السوري والشبيحة الموالين للنظام بحرب البوسنة من عام 1992 إلى عام 1995.
أنا أذكر جيداً هذه الحقبة. اعترضتُ حينها على مشاركة المملكة المتحدّة في المراحل الأولى من الحرب لا سيّما أنّ قوات الدفاع البريطانية كانت حينها منهمكة بنشاطات عدّة وتعرّضت لتقليص في موازنتها عقب انتهاء الحرب الباردة. وفيما أراد الرأي العام البريطاني أن يتمّ «فعل شيء» في البوسنة، غيّر مقتل أوّل جندي بريطاني في البوسنة الرأي العام وولّد شعوراً لدى البعض بأنّ البوسنة بعيدة جداً وليست مرتبطة تاريخياً بالمملكة المتحدّة. فهذا يشبه ما يحصل في سورية عام 2012 على رغم أنّ سورية تشكّل استراتيجياً جزءاً حيوياً من العالم.
وبما أنني كنتُ ضابطاً في الجيش، أفكّر دوماً في مدى سهولة وشعبية إرسال القوات البريطانية إلى نقطة ساخنة. فبعد سنوات تواجه مشكلة كبيرة في العودة إلى الديار بعد أن يتمّ إنكار عملها أو نسيانه.
كما أذكر أنّ الأميركيين قاموا قبل سنوات من اندلاع حرب البوسنة بإرسال مستشارين إلى فيتنام لأسباب وجيهة ومن ثمّ اكتشفوا أنّ هؤلاء المستشارين بحاجة إلى حماية عسكرية. ففكروا في قصف خطوط إمدادات المعتدين. ولا يسعنا أن ننسى الأحداث التي تتالت والفوضى الكبيرة التي انتشرت هناك.
يواجه المجتمع الدولي مشكلة صعبة جداً حيال الرئيس الأسد وسورية. وتبدو مختلف الخيارات المتاحة بمثابة كابوس. وفي حال تقرّر أن التدخّل غير وارد أبداً، ما الذي سيحلّ بحمص وقرى القصير وتلبيسة والرستن ومناطق الثوّار في العاصمة خلال الأشهر أو ربما السنوات القليلة المقبلة؟
طرح أشخاص كبار ومميزون أفكاراً للتوسط بين الرئيس الأسد ومجموعات المعارضة التي يواجهها. وحاولت المملكة المتحدة أن تعمل بشكل وثيق مع الرئيس الأسد الذي تدرّب في لندن إلا أنّ ذلك لم يحرز أي تقدّم. لم يكن مستعداً لوقف العنف وإطلاق برنامج إصلاح يطبّق على مراحل. فغضّ الطرف عن حقوق الإنسان الأسياسية والعالمية مثل حرية التعبير والتجمّع.
وقدم كوفي أنان، أمين عام الأمم المتحدّة السابق ورجل الدولة الذي التقيته في لندن وأعجبت به، خطة مؤلفة من ست نقاط في شهر شباط (فبراير). وكان من المفترض أن تشرف الأمم المتحدة على انتهاء القتال. وزعم الرئيس الأسد أنه سيلتزم بها. لكن في الواقع، وفيما أدرك مستوى المعارضة الدولية العالي الذي يواجهه، أعدّ هجمات إضافية ضد المدنيين في القرى والمدن وأمر بشنّها. فانتهت الخطة وتمّ صرف النظر عنها.
سيحصل الرئيس الأسد على دعم من قوتين شيعيتين هما إيران والعراق ناهيك عن حقّ النقض (الفيتو) الذي تستخدمه روسيا والصين في مجلس الأمن ضد أي قرار يصدر ضده. وتبدو المملكة العربية السعودية وقطر عازمتين على استمرار دعم المعارضين للنظام السوري.
لا يحظى التدخّل العسكري بدعم حلف شمال الأطلسي أو الاتحاد الأوروبي. ويبدو حلف شمال الأطلسي منهكاً ومتضرّراً جراء التقليص الذي طبقه أحد البلدان العضو فيها على موازنة الدفاع كما أنه غارق منذ سنة أو أكثر على ما أظن في جبال أفغانستان وسهولها. أما الولايات المتحدّة فمنهمكة بالتحضير للانتخابات الرئاسية التي ستجرى هذا العام.
تملك تركيا حدوداً على طول 750 كيلو متراً مع سورية وتعدّ ملاذاً مهمّاً للاجئين السوريين والمنشقين عن الجيش. فقد قام الجيش السوري بطرد هؤلاء اللاجئين إلى تركيا. وتحرّك رجب طيب اردوغان بحذر ومسؤولية، ويقال إنّ رئيس الوزراء التركي ينظر في إمكان إنشاء منطقة عازلة داخل سورية عن طريق الاستعانة بالجيش التركي. فمن شأن أي تحرّك عسكري وحازم من جانب تركيا تغيير المشهد برمته بسرعة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق