لدى تحليل المسارات المحتملة لتطور الوضع في سورية، من الضروري الاشارة الى عدد من العوامل الهامة، التي سيكون لها تأثيرها المباشر في المستقبل المتوسط المدى.
وهي، اولا ـ موقف روسيا والصين في الامم المتحدة من اقرار مجلس الامن الدولي قرارات "معادية لنظام بشار الاسد". ولا تستطيع زحزحة الوضع في سورية، وبعبارة ادق الاخلال بتوازن القوى الراهن لصالح المعارضة، الا قرارات "مؤلمة جدا" من مجلس الامن، بوسعها تقويض وضع البلد الاقتصادي، الذي هو ليس في احسن حال اصلا، وكذلك السماح بامكانية فرض حصار بحري وبري. واذا اضيف الى هذا قرار اتهام من المحكمة الجنائية الدولية (اخذ هذا يصبح ممارسة معتادة)، فان نظام بشار الاسد سيعاني من اعباء مفرطة، واغلب الظن سينهار بسرعة. وفي هذه الحالة لن تستطيع مساعدته اي جهة، بما في ذلك ايران. ولكن طالما موسكو وبكين تبديان الثبات في هذه القضية، ستصمد دمشق. وانطلاقا من كل الشواهد، لن يتغير موقف هذين العضوين الدائمين في مجلس الامن في القريب.
وثانيا ـ تلاحظ الان مرحلة انتقال الاحتجاجات ذات الطابع السلمي البحت في سورية الى طور المواجهة المسلحة. وتؤكد هذا بجلاء "الاخبار من المواقع"، وان المعارضة نفسها تؤكد هذه الواقعة بصراحة، وان كان دون رغبة. ويجدر التذكير بان الموقف المعروف سابقا لمعارضي النظام كان يعتبر كافة الضحايا من افراد القوات المسلحة والمخابرات السورية من اعمال النظام نفسه. وكانت هذه المقولة تثير شكوكا كبيرة من البداية، لان اعداد القتلى والجرحي بين افراد مؤسسات القوة السورية دحضت ذلك بشكل قاطع. وتمارس فصائل المعارضة المسلحة نشاطها الان، حسب معلومات عدد من الخبراء، بشكل نظامي في ريف دمشق وحماه وحمص ودرعا. وهذه الفصائل بصورة اساسية من المسلحين البدو، الذين يحصلون على السلاح من ابناء جلدتهم العراقيين. كما يوجد ممثلو "الاخوان المسلمين" السوريين، مما يثر القلق. وبعبارة اخرى نشأت ظاهرة اتساع المناطق التي انتقلت فيها المعارضة في الذود عن مصالحها الى الاسلوب المسلح، اسلوب حرب الانصار. وهذا التطور سيتنامي، لان تكتيك المعارضة القديم بالالتزام بالاساليب السلمية البحتة قد استنفد طاقاته تماما، والشباب الذين يميلون الى الاجراءات الفعالة، سيشاركون بنشاط اكبر فى صيغ النضال بالقوة.
وعم سيتمخض هذا؟ بلا ريب سيزاد بشكل حاد خطر تحول حرب الانصار المحدود الى حرب اهلية شاملة. وهذا وخيم بانقسام البلد، او كحد ادنى، ضعف سيطرة المركز على المناطق الاثنية، وبالمرتبة الاولى المناطق الكردية، مما سيدفع الاكراد بدورهم الى العمل بنشاط على البحث عن سبل لتقرير المصير. ان قيادة المعارضة، مهما تدلي من تصريحات، تدرك بشكل جيد ان الاكراد يستهدفون في نهاية المطاف تقرير المصير واقامة "دولة كردستان الكبرى". وتستوعب هذا ايضا انقره، ومن هذا ينبع اهتمام الاتراك غير الرسمي بالنزاع السوري الداخلي. فهم يفهمون ان بشار الاسد لن يستطيع كبح جماح الاكراد في ظل تطور الاحداث هذا. ولن يود في المستقبل على حد الزعم، اغاظة حليفه السابق. وهذا "فك الارتباط بالمركز عن وعي" مقابل الحفاظ على الهدوء النسبي في تكتيك دمشق. وعلى سبيل المثال، منح البرجوازية التجارية الصناعية السنية في حلب عمليا "تسهيلات ضريبية"، مما يضمن عدم مشاركة سكان المدينة في الصدامات. وان عددا كبيرا من مؤسسات المدينة التجارية تتعامل مع الشركات التركية. وبوسع انقره، في الحقيقة، القيام بخطوات معينة على اتجاه المقاطعة الاقتصادية، ولكن مدى رغبة اردوغان في تكدير حياة التجار الاتراك تبقى حاليا قضية مفتوحة. وستواصل القيادة السورية تكتيك "اصلاح النظام الاقتصادي بشكل خفي"، لانه الاسلوب الوحيد الذي يهدئ المشاعر ويعيد توازن المصالح. وان النخبة العلوية على استعداد لفسح المجال في هذه القضية للآخرين.
وثمة نقاط اخرى توضح انحدار الوضع بشكل جامح الى الحرب الاهلية. وهي، بالمرتبة الاولى رفض المعارضة القاطع الحوار مع السلطات. والحديث يدور في غضون ذلك لا عن قضايا فنية معينة، وانما حول المبدأ. فمعارضو الاسد يطرحون شروطا غير مقبولة مسبقا. وهي، على سبل المثال، انسحاب الجيش الى الثكنات في ظل الحفاظ على امكانية التظاهر كالسابق. وهذا لا يؤدي الا الى شيء واحد: استيلاء المتظاهرين المسالمين على المباني الادارية والحكومية في العاصمة والمدن الاخرى. ويجري بهذه الصورة ابعاد الجيش من اللعبة، ويبقى بمثابة اداة استقرار للمستقبل (بند آخر في برنامج المعارضة). ولدى الرغبة في الحوار فعلا (من الممكن اشتراط هذه المشاورات بحضور مراقبين من الامم المتحدة او الجامعة العربية) من المنطقي التحدث عن موراتوريوم مؤقت على التظاهر واستخدام الجيش. ولكن لا يدور الحديث حتى عن هذا، لربما لان سيطرة ممثلي المعارضة، الذين يتعذر عليهم تشكيل هيئة مركزية موحدة، على لجان التنسيق المحلية ضعيف وغير كاف، بغية توجيهها باكمل وجه.
ويجعل هذا السيناريو أمرا مستحيلا محاولات القسم "العلماني" من المعارضة للحفاظ على "الطابع السلمي" للحركة، مما يضمن حياد الجيش مستقبلا. ان حرب الانصار تخل بالوضع القائم بلا ريب، والجيش سيواصل ولاءه للنظام. وخاصة، مراعاة لوجود اشخاص في قيادته غير جاهزين ، خلافا لزملائهم المصريين، لتقديم تنازلات "للاخوان المسلمين". ويؤكد هذا في الحقيقة، تعيين العماد آصف شوكت، صهر الاسد، في 13 سبتمبر/ايلول من السنة الجارية، نائبا لوزير الدفاع. ومن المفروض ان يقوم الاخير "بالدعم" وفي نفس الوقت، مراقبة وزير الدفاع الجديد المسيحي داود راجحة.
وتجدر الاشارة الى ان شوكت ترأس على مدى فترة طويلة الاستخبارات العسكرية، وكان مسؤولا على العلاقات مع باريس. وجرت تنحيته نتيجة اغتيال عماد مغنية، مسؤول العمليات الخاصة في حزب الله (لبنان)، في دمشق، الذي كانت لديه علاقات وثيقة مع شوكت في اطار الواجب. وتقرر الان اعادته، لان الجيش يواجه حاليا مرحلة خطرة، لا يجوز ان يثير ولاء قيادته فيها للقيادة العليا اي شكوك لدى بشار الاسد وحاشيته.
المصدر:موقع معهد الشرق الاوسط في الانترنت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق