في تناولها أحد مصادر التمويل التي يعتمد عليها حزب الله للقيام بعملياته، تقول جو بيكر من صحيفة "نيويورك تايمز"، والتي حازت بالتناصف مع زميلها بارتون جيلمان على جائزة بوليتزر للصحافة عام 2008، ان ادارة الرئيس اوباما اتهمت في فبراير الماضي احد بنوك لبنان بتبييض اموال لمجموعة دولية من تجار الكوكائين لها روابط وثيقة بحزب الله اللبناني.
والآن بعد انكشاف هذا البنك، تبين عقب فحص سجلاته وتدقيق حساباته ان حزب الله استخدم وسائل سرية غير مشروعة لتمويل عملياته، وان هناك جهازا معقدا لغسل الاموال يعتمد على البنك المذكور كي يتمكن الحزب من صب مبالغ ضخمة في النظام المالي الرسمي مما يساعده في مواجهة العقوبات الدولية التي تستهدف قطع شريان اقتصاده ونشاطه.
التحقيق الذي اوصل الولايات المتحدة الى البنك اللبناني، وهو بالمناسبة "البنك اللبناني الكندي"، يوفر معلومات سرية جديدة حول موارد حزب الله المالية الغامضة، فبينما كان الاعتقاد السائد منذ وقت طويل في ادارات تنفيذ القانون بالعالم بان حزب الله كان مجرد مستفيد سلبي من اسهامات المؤيدين والموالين له الذين يعملون في الخارج بتجارة وترويج المخدرات وغيرها من الاعمال الاجرامية الاخرى، تشير معلومات اجهزة الاستخبارات في بلدان عدة الى تورط مسؤولين على مستوى رفيع في الحزب بشكل مباشر في تجارة الكوكائين باميركا الجنوبية، وهذا ما دعا احد المسؤولين عن التحقيق لوصف حزب الله بـ"المافيا".
ويبدو ان نشاط الحزب غير المشروع هذا لم يقتصر على التعامل مع تجار المخدرات فقط فقد اتهم المدعي الفيدرالي العام في فيرجينيا مؤخرا، رجلا يعمل في قلب البنك اللبناني الكندي بتجارة المخدرات وتبييض الاموال، ليس فقط لمجموعة عصابات كولومبية بل وايضا لعصابة "لوس زيتاس" الاجرامية المكسيكية.
ولا شك ان هذه المعلومات التي تشير الى تورط الحزب والبنك اللبناني - الكندي تبين مدى التغيير الديناميكي في لبنان والشرق الاوسط سياسيا وعسكريا. اذ لطالما اعتقد محللو الاستخبارات الاميركية ومنذ سنوات ان الحزب يتلقى لا اكثر من 200 مليون دولار سنويا من راعيته الرئيسية ايران مع مساعدة اضافية ايضا من سورية، لكن هذا الدعم ضعف على ما يبدو بسبب معاناة الاقتصاد الايراني من العقوبات الدولية المفروضة عليه نتيجة لاستمرار ايران في برنامجها النووي. كما توقفت المساعدة الاضافية السورية بسبب المعارك التي تخوضها حكومة دمشق ضد الانتفاضة الشعبية في سورية.
يحدث هذا في وقت تزداد فيه حاجة حزب الله المالية في سعيه للمضي في اعادة بناء ما دمرته حربه مع اسرائيل عام 2006، ولاستمراره في تقديم خدماته الاجتماعية. وكان من نتيجة هذا - برأي المحللين - ميل الحزب اكثر للاعتماد على النشاطات الاجرامية، ولاسيما منها تجارة الكوكائين في اميركا الجنوبية ومن ثم ايجاد الآلية الملائمة لنقل امواله عبر العالم.
حول هذا يقول ديريك مالتز من ادارة تنفيذ قانون المخدرات الذي اشرف على التحقيق الخاص بالبنك اللبناني - الكندي: شكلت قدرة المجموعات الارهابية مثل مجموعة حزب الله على تحريك الاموال المشبوهة ونقلها الى النظام المالي العالمي الرسمي تحديا جديدا بعد 9/11.
ويقول مسؤولو وزارة الخزانة الاميركية الذين شاركوا في التحقيق المذكور ان كبار مديري البنك ساعدوا مجموعة من اصحاب الحسابات في ادارة مشروع لغسل اموال المخدرات عن طريق خلطها مع ارباح السيارات المستعملة التي تم شراؤها من الولايات المتحدة وبيعها في افريقيا ليحصل حزب الله بعد ذلك على حصة منها.
بيد ان مسؤولي الخزانة الاميركية رفضوا الكشف عن دليلهم في هذا الزعم، لكن شبكة تبييض الاموال ودرجة تورط حزب الله في هذه العملية ظهرا خلال الاشهر القليلة الماضية عندما جرى بيع اصول البنك غير الملوثة لفرع بنك "سوسيتيه جنرال الفرنسي" العملاق في بيروت.
بالطبع لا يمكن كشف اعمال مثل هذه الشبكات بسهولة، لكن المحاسبين والمدققين الذين تم تعيينهم لفحص سجلات ودفاتر البنك اكتشفوا نحو 200 حساب مرتبط بحزب الله ومثير للشك بسبب مؤشرات تقليدية تدل على تلاعب وعمليات غسل الأموال.
وتبين فيما بعد ان مئات الملايين من الدولارات انصبت سنويا في حسابات لرجال اعمال اغلبهم مسلمون شيعة مؤيدون لحزب الله في بلدان تشتهر بعصابات تهريب المخدرات في افريقيا الغربية، ويتاجرون في كل شيء بدءا من قطع الالماس الخاص الى مساحيق التجميل والدجاج المجمد، طبقا للتحريات التي تمت في الولايات المتحدة واوروبا.
وتبين ايضا وجود شركات واجهة استخدمها حزب الله كستار لتنقل بالنيابة عنه كل الاموال المثيرة للشك العائدة له وللآخرين.
هذا النظام سمح لحزب الله، ليس فقط باخفاء مصادر ثروته، بل وايضا تورطه في عدد من مشاريع الاعمال منها على الارجح صفقة شراء قطعة ارض قديمة السنة الماضية مساحتها اكثر من 740 هكتارا وتطل على البحر الابيض المتوسط في منطقة الشوف بمبلغ 240 مليون دولار مما يجعلها الاغلى ثمنا في تاريخ لبنان.
كان البائع تاجر المجوهرات المسيحي الشهير روبرت معوض، الذي من زبائنه افراد من الاسرة السعودية المالكة ونجوم هولييوود، في حين كان المشتري - ولو على الورق على الاقل - تاجر الالماس الشيعي ناظم سعيد احمد. بيد ان المستثمر الحقيقي وراء هذه الصفقة كان وفقا للمعلومات التي قدمها اشخاص يعملون في دائرة السجل العقاري، شخص من اقارب قائد سابق في حزب الله: علي تاج الدين، وكان هذا المستثمر قد تلقى اموالا من خلال البنك المذكور مصدرها شركات مصنفة لدى الولايات المتحدة بانها شركات واجهة تعمل لصالح حزب الله، ومن تجار متورطين بما يوصف بصراع تجارة الالماس والمعادن، ووفر البنك اللبناني - الكندي بدوره القرض اللازم.
ومن الواضح ان هذه الصفقة تتلاءم مع مخططات حزب الله التي يقوم بموجبها اشخاص مرتبطون به بشراء قطع اراض ذات مواصفات عسكرية استراتيجية في المناطق ذات الاغلبية المسيحية مما يساعد الحزب بهدوء على تعزيز هيمنته الجيوبوليتيكية.
غير ان عضو البرلمان اللبناني علي فياض، مستشار حزب الله الرئيسي في المسائل الاستراتيجية، انكر خلال لقاء معه في بيته ببلدة الطيبة قرب الحدود اللبنانية مع اسرائيل ان يكون حزب الله وراء صفقة شراء الارض في الشوف او اي صفقات اخرى مماثلة، ووصف الاتهامات الاميركية الخاصة بترويج المخدرات وتجارتها في اميركا الجنوبية بانها مجرد مزاعم تحركها الدعاية السياسية مضيفا: ليس لنا علاقة بالبنك اللبناني - الكندي والولايات المتحدة تقاضي ببساطة رجال اعمال شيعة ابرياء كي تعاقبنا لاننا كسبنا الحرب ضد اسرائيل.
استراتيجية مالية
الحقيقة ان تحريات الولايات المتحدة حول هذا البنك ما هي الا جزء من استراتيجية مالية بدأت منذ وقت طويل لمكافحة الارهاب، فما كشف عنه التحقيق الذي بدأ قبل ست سنوات وتركز على حساب حزب الله في البنك استند الى لقاءات مع مسؤولين في دوائر تنفيذ القانون وفي البنوك في ثلاث قارات، وهذا عدا عن تقارير اجهزة الاستخبارات وسجلات الشرطة.
لكن مع استمرار التحقيق في هذه القضية اقترح بعض المسؤولين في دوائر القرار العليا بالولايات المتحدة عدم الكشف عما وصلوا اليه في علاقة حزب الله بتلك النشاطات المالية والتجارية، وكانت حجتهم في ذلك هي ان وضع البنك اللبناني - الكندي على القائمة السوداء من شأنه ان يخرب تلك النشاطات، ويحرم الولايات المتحدة بالتالي من معرفة الوسائل والطرق الجديدة التي قد يلجأ لها الحزب للاستمرار بنشاطاته تلك الا ان وجهة النظر التي طغت بالنهاية رأت ان هذه القضية توفر ما وصفه احد المسؤولين بـ"فرصة كبرى" لتلطيخ سمعة حزب الله من خلال الكشف عن "نفاقه" المتمثل في كسب المال من نشاطات اجرامية على الرغم من اعتبار نفسه حزبا الهيا.
ولاشك ان للولايات المتحدة اسبابها التي تبرر لها تشويه صورة هذا الحزب، فهو الذراع المسلحة التي تعمل ضد المصالح الاميركية في المنطقة بالنيابة عن ايران - وكلنا رأينا كيف زادت حدة المواجهة بين الحزب والاستخبارات المركزية الاميركية عندما نشر الحزب مؤخرا ما قال انها أسماء لجواسيس اميركان عملوا في السنوات الاخيرة بالسفارة الاميركية في بيروت.
وكان الحزب قد وقف ايضا وراء سقوط حكومة حليف اميركا سعد الحريري وتنصيب حكومة اخرى من اختياره في وقت كانت فيه محكمة جرائم الحرب الدولية تستعد لمقاضاة اعضاء من الحزب لدورهم في التفجير الرهيب الذي اودى بحياة رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري عام 2005.
لكل هذا يقول جون اوبريتان مستشار الرئيس اوباما لشؤون مكافحة الارهاب: اذا كان حزب الله متورطا في تجارة المخدرات فلماذا لا نكشف عن ذلك امام الرأي العام؟
دولة داخل دولة
الحقيقة ان هذا الحزب لم يكن له اي دور اساسي في سياسة لبنان الرسمية عند تأسيسه قبل ثلاثة عقود كقوة مقاومة تستهدف الاحتلال الاسرائيلي في المنطقة الجنوبية من لبنان - لكن ميليشياته المسلحة هي اليوم اقوى وافضل تسليحا من الجيش اللبناني الوطني - بل وتقوم دوائر الحزب الاجتماعية بإنجاز الكثير من الخدمات بدلا من الحكومة وهي تسيطر على المطار الدولي وطرق التهريب على طول الحدود مع سورية.
وفي هذا الاطار، يقول جوزف سكاف رئيس وحدة المخدرات وغسل الاموال في الجمارك اللبنانية: من المعروف ان بمقدور الركاب والمسافرين ادخال مبالغ مالية دون تحديد ودون الاعلان عنها، ويحدث هذا في وقت ليس عندي الا 12 ضابطا للقيام بمهام التفتيش كما لا تعمل اجهزة كشف المخدرات في مطار وميناء بيروت مما يجعل يدي مغلولة.
لاشك ان مثل هذه الاوضاع اللاطبيعية لعبت دورا في تحول لبنان الى معبر لكل انواع النشاطات التجارية الشرعية واللاقانونية على حد سواء - ولاسيما ان عدد اللبنانيين الذين يعيشون في المهجر اكبر من عدد المواطنين في الداخل. ومن الملاحظ هنا ان حزب الله تمكن من الحصول على موطئ قدم قوية داخل الجاليات اللبنانية في بلدان الاغتراب ومنها تلك التي يعمل افرادها في تجارة الكوكائين، طبقا لدراسة مكتب الامم المتحدة لشؤون الجرائم والمخدرات.
ويبدو ان هؤلاء المهاجرين اللبنانيين تواجدوا في الاماكن المناسبة والوقت الصحيح، فمع تزايد الطلب على المخدرات في اوروبا والشرق الاوسط بدأت المجموعات العاملة بتجارتها وتهريبها تأخذ طرقا جديدا تمتد من كولومبيا، فنزويلا ومناطق الحدود المتسيبة بين البرازيل، اوروغواي، والارجنتين الى بلدان غرب افريقيا مثل غامبيا وبينين، ومن هناك كانت المخدرات تأخذ طريقها باتجاه الشمال عبر البرتغال، واسبانيا او تتجه نحو الشرق عن طريق سورية ولبنان.
يقول عادل المشموشي المسؤول عن ادارة تنفيذ القانون الخاص بالمخدرات في لبنان ان من بين وسائل دخول مثل هذه المواد استخدام للطائرات بالطبع، فقد كانت هناك طائرة ركاب ايرانية تقوم برحلات اسبوعية من فنزويلا الى دمشق وتحمل على متنها شحنة من المخدرات ليتم نقلها بعد ذلك الى الحدود.
هذا القول اكده عدد من المسؤولين الاميركيين بالقول ان مثل هذه العملية ما كان يمكن ان تحدث على الاطلاق لولا قيام حزب الله بدور فيها.
الواقع ان المحققين في اميركا الجنوبية واوروبا كانوا قد بدأوا يلاحظون ان هناك وسطاء لبنانيين شيعة يعملون مع مجموعات تجار المخدرات، لكن الدليل الاقوى على توسع دور الحزب في هذه التجارة برز من خلال تحقيقين اوصلا المحققين بالنهاية للبنك اللبناني - الكندي، فقد ظهر الخيط الاول في هذا الدليل من خلال محادثة لاسلكية سجلتها الشرطة الكولومبية بين افراد مجموعة "ميديلين، لااوفيسنيادي اينفيفادور وورد خلالها اسم رجل يدعى طالبان" تبين فيما بعد انه رجل لبناني يدعى شكري محمود حرب كان قد اجتمع في بوغوتا في يونيو 2007 مع عميل سري - دون ان يدري هويته الحقيقية - من ادارة تنفيذ القانون الخاص بالمخدرات ومكافحتها في الحكومة الاميركية وتباحثا حول الطريق التي ستسلكها المخدرات، وتم بعد ذلك شحنها عبر البحر الى ميناء العقبة الاردني ثم جرى تهريبها الى سورية، والجدير بالذكر انه عندما تبجح حرب بانه يستطيع توصيل 950 كيلو غراما من المخدرات الى لبنان خلال ساعات، علّق العميل السري الاميركي عندئذ بالقول: لابد ان لك علاقات وثيقة مع حزب الله، وهنا ابتسم حرب واومأ برأسه.
وبعد عملية مسح كبيرة نفذها الاردن ابلغ المسؤولون الاردنيون ادارة مكافحة المخدرات الاميركية بان المرحلة السورية للشحنة نسقها ضابط استخبارات سوري يعمل كضابط اتصال مع حزب الله، وهنا افادت مصادر عدة ان المسؤولين عن مثل هذه الشحنات في الحزب يتقاضون عادة ضريبة لقاء مرورها في لبنان.
بالطبع سارعت مجموعة ميديلين لتقديم المال للعميل السري الاميركي من اجل تبييضه وكان حجم المبلغ 20 مليون دولار، لكن قبل ان يكشف حرب الخطة بشكل كامل ويحدد اتصالاته بحزب الله، اوقفت وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية هذه العملية لاعتبارات معينة، وتمت ادانة حرب بعد اتهامه بالنشاط في مجال غسل الاموال.
لكن ما ان مر وقت قصير بعد ذلك حتى ظهر هدف جديد، فقد ورد خلال مكالمة هاتفية سجلها عملاء الاستخبارات في باريس اسم رجل يدعى ايمن جمعة، كان يعمل سابقا مع مجوعة ميدلين، ويمتلك اليوم فندق "سيزرز بارك" في بيروت، وبالرغم من ان هذا الرجل مسلم سني، كشف رجال الاستخبارات من خلال الاستيلاء على هاتفه النقال في فندق بباريس انه من كبار العاملين في تبييض الاموال وانه على صلة مع اشخاص شيعة مهمين في الضاحية الجنوبية لبيروت التي هي معقل لحزب الله.
ويبدو في تسجيلات الشرطة الدولية الـ"انتربول" انه معروف ايضا لدى الاستخبارات الاسرائيلية فقد اظهرت المعلومات التي التقطها الاسرائيليون من خلال الاتصالات اللاسلكية انه على اتصال مع عضو من حزب الله في "الوحدة 1800" التي يقال انها تنسق الهجمات داخل اسرائيل، ويبدو ان اتصالات جمعة كانت تتم ايضا مع شخص مهم يعتقد الاسرائيليون انه كان يدير عمليات المخدرات الخاصة بحزب الله ويدعى ابو عبدالله وحينما قرر الاميركيون ارسال فريق للتحقيق في نشاطات جمعة، اكتشف هذا الفريق عملية السيارات المستعملة، فقد تبين ان مجموعة جمعة كانت تجلب هذه السيارات من الولايات المتحدة وتبيعها في افريقيا ثم يتم نقل ارباحها نقدا الى بيروت لإيداعها في ثلاثة مراكز مالية للصرافة تمتلك اسرة جمعة واحدا منها ويقع الثاني في شارع الفندق المذكور سابقا.
وبعد هذا يتم ايداع هذه الاموال التي هي ظاهريا ارباح بيع السيارات المستعملة في البنك اللبناني - الكندي، لكن هذه العملية لا تتم الا بعد خلط عائدات تجارة المخدرات في اوروبا بأرباح السيارات المستعملة لإسباغ المظهر الشرعي على هذه العملية.
وبالطبع يتلقى حزب الله حصته من هذه الاموال من مراكز الصرافة، ومن خلال البنك نفسه، وفقا لادارة مكافحة المخدرات الاميركية التي تقول ان ايران استخدمت هذا البنك ايضا لتجنب العقوبات الدولية المفروضة عليها حيث كان مبعوث حزب الله في طهران يعمل كوسيط بين الطرفين ايران والبنك.
لكن بعد مناقشات مطولة في واشنطن حول متى يتعين اتخاذ الاجراءات المطلوبة وما الذي يتعين الكشف عنه علنا، قررت الادارة الاميركية الاستناد الى فقرة محددة من القانون الوطني الاميركي اذ بما ان الادارة قد تأكدت من نشاط البنك المذكور في عمليات تبييض الاموال، تستطيع وزارة الخزانة الاميركية اذا فرض عزلة دولة عليه من خلال منع المؤسسات المالية الاميركية من التعامل معه، وبعد ان اطلع الرئيس اوباما على هذا الاجراء بدأت الدوائر المختصة بتنفيذه في العاشر من فبراير الماضي اما بالنسبة لجمعة فإن الاتهام الذي تم الاعلان عنه لا يقتصر فقط على دوره في العملية التي حدثت في اوروبا بل ويشمل ايضا دوره في تنسيق شحنات الكوكائين الكولومبي العائد لعصابة لوس زيتاس في المكسيك لبيعها في الولايات المتحدة ومن ثم تبييض عائداتها المالية.
لكن هل سيتم تقديم جمعة الى المحاكمة؟ الحقيقة ان هذه تبقى مسألة مفتوحة لان الولايات المتحدة لا ترتبط بمعاهدة لتسليم المطلوبين مع لبنان، كما ان احدا لا يعرف الآن مكان اختبائه وتعج بيروت بالكثير من الاشاعات حول هذه القضية.
شكوك
حتى هذه المرحلة لم يكن الاميركيون قد تعرفوا الا على عدد محدود من الحسابات المصرفية الملوثة بتجارة المخدرات في البنك اللبناني - الكندي، لذا بدأ البحث عن المزيد منها خلال الصيف الماضي بعد ان وافق بنك سوسيتيه جنرال في لبنان على شراء اصول البنك اللبناني - الكندي.
وبدوره بدأ بنك لبنان المركزي بتدقيق سجلات البنك المذكور بموجب اتفاق مع مسؤولي وزارة الخزانة الاميركية.
الا ان طريقة اختيار البنك المركزي لهؤلاء المدققين اثارت شكوك مسؤولي بنك سوسيتيه جنرال، اذ يقول المطلعون على النظام المصرفي في لبنان، ان حزب الله هو من اوصى بتعيين ممثل البنك المركزي في منصبه للمشاركة في التدقيق.
وهنا يمكن القول ان التعرف على الحسابات المثيرة للشك يبقى عملية غير سهلة بالطبع لكن المسؤولين الاميركيين والاوروبيين المطلعين على هذه القضية يقولون ان هذه العملية سارت على النحو التالي.
في البداية بحث المدققون عن سجلات العام الماضي فقط، وركزوا في تدقيقهم آلاف الحسابات على المودعين الذين لهم اتصالات معروفة بحزب الله.
كما اهتموا ايضا بالمؤشرات التي لها دلالات معينة مثل الايداعات المتكررة لمقادير ضخمة من الاموال والحوالات المتبادلة بين شركات متباينة لا يمكن ان تكو الا شركات واجهة بقصد التمويه على المصدر الحقيقي للاموال.
وفي النهاية حصر المدققون نحو 200 حساب لصلة اصحابها بعملية كبرى لتبييض الاموال، ولبروز دور واضح فيها لحزب الله، طبقا لما ذكره المسؤولون الاميركيون.
وبالاضافة لهذا، اظهر التدقيق وجود شبكة معقدة من الصفقات والمعاملات التجارية مع شركات محددة يمتلك معظمها رجال اعمال شيعة معروفون بتأييدهم لحزب الله. وتضمنت هذه الشبكة ايضا شركات عدة تتاجر بالالماس لأن من السهل برأي الخبراء نقله بسرعة وبيعه نقدا، وتبين ايضا وجود صفقات كبرى ليس لها اثر على الورق ويمكن التلاعب بقيمتها من خلال معاملات مزيفة، بل وكشف المحققون بالنهاية تورط عدد من هؤلاء المتعاملين بهذه التجارة بتمويل الحروب الاهلية في افريقيا واماكن الصراع الاخرى بالعالم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق