10‏/02‏/2012

"ذي غارديان": الثورة السورية تتحول إلى معركة حتى الموت

داخل منزل في حمص دمره جزئياً قصف الجيش السوري

نشرت صحيفة "ذي غاريان" اليوم الجمعة تقريرا بعث به اليها مراسلها مارتن تشولوف من منطقة قريبة من مدينة حمص في وسط سوريا يلقي الضوء على الخسائر الفادحة في صفوف المدنيين هناك. وهنا نص التقرير: "في قلب الأرض الثائرة ضد بشار الأسد، أصبحت حرب الاستنزاف الآن معركة حتى الموت لا رحمة فيها.

احتفظ الجيش السوري الحر بهذه المنطقة المؤلفة من بساتين واراض زراعية منذ أيلول (سبتمبر)، خلال الوقت الذي كانت فيه القوات الموالية قريبة وتشكل تهديدا كبيرا. وبينما انهمرت الصواريخ بانتظام يوم الخميس على البلدات التي لم يتمكن ساكنوها من الدفاع أو الهرب، فإن الأشهر الثلاثة من الحرية التي صمدوا خلالها تبدو الآن وهماً.

لم يتبق الكثير في البلدة التي ذهبنا إليها يوم الخميس، أو في القرى المحرومة والمنسية التي تنتشر في المناطق النائية قرب حمص. قطع التيار الكهربائي منذ شهرين، وقطعت الخطوط الهاتفية الأسبوع الماضي. ويوم الأربعاء، تم قطع الطريق إلى حمص المحاصرة، ثالث المدن السورية، والتي ينظر إلى مصيرها كتحذير شديد اللهجة لما يكمن أمام باقي المنطقة.

وكانت حمص يوم الخميس مكانا يصعب الهرب منه. وعلم أن ثلاثة سكان جرحى فقط تمكنوا من الخروج من الأحياء المنكوبة التي تسيطر عليها المعارضة في المدينة إلى الأمان النسبي في لبنان القريبة. ومن غير المرجح أن ينجو اثنان من الجرحى.

أما الباقون فيواجهون محنة يائسة، يحاولون التحصن في المنازل الخرسانية التي تتداعى في وجه هجوم لا هوادة فيه، والذي يمتد الآن إلى القرى والأراضي الزراعية المجاورة. ويقول بعض سكان هذه المنطقة ان عددا قليلا من العائلات في المناطق التي تتعرض للقصف الثقيل في حمص وبابا عمرو والخالدية تمكنوا من الاحتماء في تلك المناطق من المدينة. لكن لم يعد يمكنهم التواصل مع أولئك الذين تركوا وراءهم، والذين يخشون من أنهم يواجهون مصيرا مخيفا.

وقال طبيب في مركز طبي ميداني أقيم وسط بلدته: "سيحين دورنا بعد ذلك". وقد فر الأطباء والممرضون العاملون هنا من المستشفى الحكومي الذي يبعد كيلومترا واحدا، وأقاموا مركزا علاجيا وقسما للجراحة في منزل مهجور. طوال اليوم كانوا يعتنون بالجرحى ومعظمهم من جيش الثوار قليل التسلح.

وكانت الأغطية البلاستيكية المنقوشة التي وضعها المسعفون على الأرض غارقة في الدماء واليود بينما كان المزيد من الجرحى يجلبون من الخارج من قبل زملائهم.

وجيء برجل ضخم يرتدي سروالا عسكريا مهترئا على حمالة بجرح غائر في سرته، وقال أحد الممرضين في العيادة: "إنه ملازم أول"، ويعتبر الممرض عبد الكريم، مثل كل الآخرين في هذا المكان المكتظ، من الثوار. وأخذ الضابط الجريح إلى غرفة العمليات المرتجلة، بينما حضر الممرضون في الخارج أنفسهم للعملية بغسل أيديهم بالكيروسين والماء.

ومن ضمن أولئك الذين اعتنوا به كان هناك جراح فرنسي، من قدامى العاملين في مناطق النزاع منذ حرب فيتنام، وصل إلى سوريا أمس مع حقيبة مليئة بالمعدات الطبية واستعداد للبقاء طالما كانت هناك حاجة إليه.

ويشير القتل الذي حدث بقية اليوم إلى أنه سيبقى هنا لفترة. وبعد دقائق من بدء عملية علاج الملازم، توقفت شاحنة بالخراج وطلب جنود الجيش الحر حمالة. وتم اخلاء مجال في المركز العلاجي بينما اتجه المسعفون في الداخل إلى محفاتهم – وأخذ أحدهم سلاحه الكلاشينكوف – وأسرعوا إلى الساحة الخارجية. توقفوا بجانب الشاحنة ونظروا للداخل وأمكن رؤيتهم يوقفون مساعيهم في تلك اللحظة. قال أحدهم: "انتهى، خذوه إلى المقبرة". كان الرجل الميت قائد الجيش السوري الحر في بلدته، واحد الرجال الذين جرحوا في هجوم على مقر ليس بعيدا عن هنا.

وبينما هبط الظلام، بدا أن عدد القتلى والجرحى يزداد. وبدا أن كل انفجار يسمع في الأفق يزيد من أعداد المصابين الذين يصلون إلى المكان.

وقال د. قاسم، أحد العاملين في العيادة: "إنهم يأتون من المستشفى التي هربنا منها، على بعد كيلومتر واحد من هنا".

وكان قناصو النظام يضربون من مفترق قريب على الطريق الى حمص. بينما كانت قوات المعارضة تراقب من مخابئها بين أشجار المشمش والخوخ ومنازل المزارع المنتشرة على طول الدروب الموحلة.

وتم إحضار المزيد من الجرحى، ثائر مصاب في يده، وآخران بطلقات في ظهريهما. وتم اطفاء جهاز التلفزيون الذي ينقل صور المجزرة في حمص بينما كانت غرفة الاسعاف تغص بالمصابين الذين يمشون على أقدامهم، والمسعفين المهتاجين والآخرين الذين قدموا للاحتماء من القصف.

كان الملازم الاول في الداخل يتلاشى بسرعة. وبينما كوَم جراحون آخرون امعاء المريض على بطنه، قال الدكتور قاسم الذي كان يرفع مصباحاً فوق العملية: "انهم آتون الينا الآن. سيكون الوضع سيئاً جداً".

ثم اضاف ملاحظةً متفائلة الى يوم لم يجلب حتى ذلك الحين شيئاً سوى البؤس. قال: "التصويت في الامم المتحدة يمكن ان يكون جيداً لنا في المستقبل. كل طلبتنا واطبائنا يدرسون في روسيا والمستويات ليست جيدة. كل مصانعنا فيها معدات صينية والامر نفسه ينطبق عليها. اذا فزنا فستتغير الامور، ان شاء الله".

التفت مرة اخرى الى المريض مع تحول الاهتمام الى احدث الجرحى، وكان رجلاً مصاباً بعيار ناري في رسغه وكان دمه يسيل بغزارة على الاحذية المتراكمة عند مدخل الغرفة.

قال طالب جامعي يدرس الطب وهو يمسك بآلة تصوير بالاشعة السينية فوق رجل ممدد على الارض: "قتل اكثر من 100 شخص اليوم. كلنا لنا عائلات في حمص ونحن قلقون جداً من الوضع هناك. انه اسوأ من الوضع هنا".

واضاف: "كل يوم يزداد الامر سوءاً هنا. لا احد يأتي لمساعدتنا ونحن نقبل مصيرنا".

في وقت سابق من النهار وصلت اعادة تموين – من نوع ما – الى الثوار: ثلاثة اكياس من الصواريخ وانابيب هاون صدئة. وقد جلبت هذه ايضاً الى داخل العيادة الطبية واخفيت بعيداً عن الانظار. لم تكن ترسانةً تشجع جيش الثوار الذي يواجه مشقة واضحة، ولكنها كانت علامة رعلى ان بعض الاسلحة تجد طريقها عبر الحدود التركية واللبنانية المسامية.

قال مقاتل شاب: "هذه قديمة، لكنها ستنفع. نحن ممتنون لكل ما نحصل عليه".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق