12‏/06‏/2012

وزير الداخلية البحريني: أمن الخليج اكتسب أبعادًا جديدة بسبب تعدد مصادر التهديد

 


أكد معالى الفريق الركن معالي الشيخ راشد بن عبدالله ال خليفة وزير الداخلية ان أمن منطقة الخليج اكتسب أبعادًا جديدة بسبب تعدد مصادر التهديد الأمني، فيما تشهد الأوضاع الإقليمية عدم استقرار في بعض الأنظمة وتغيرات تمثلت في صعود تيارات وقوى وتعثر تيارات وقوى أخرى، حيث هذا الوضع المرتبك شجع إيران على التمدد إقليميا " عسكريا وسياسيا وإعلاميا " .


وقال وزير الداخلية في كلمته أمام مؤتمر " أمن الخليج العربي، الحقائق الإقليمية والاهتمامات الدولية عبر الأقاليم " الذي بدأ أعماله في مملكة البحرين صباح اليوم بتنظيم مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة ان هذه التغييرات تلقي بظلال من التساؤل حول مدى جدية الحليف الأمريكي في تحقيق أمن منطقة الخليج، خاصة بعد أحداث الأزمة المالية العالمية 2008 وانشغال الإدارة الأمريكية بقضايا الاقتصاد الداخلي، وبعد تبنيها سياسات تخفيف الاعتماد على نفط الشرق الأوسط، وإعطاء أولوية استراتيجية لمنطقة الشرق الأقصى ومنطقة الباسفيك.
وأوضح ان أكبر المخاطر الداخلية التي تهدد الأمن الخليجي أساسها التطرف المذهبي، وهو الأمر الذي تعمل إيران على تغذيته مع الأسف، وكلها سياسات تصب في جانب التفرقة والتفتيت، وفي الوقت الذي احمد فيه المولي بأننا نعيش في بلد تمسك حكمه بترسيخ قيم الدين والتقوى ، إلا أننا نراقب بكل عناية ما يمكن أن يترتب على الأمن الخليجي من تنامي ظاهرة التطرف الديني الذي قام على تديين السياسة والحياة العامة ومحاولات استغلال الدين وتفسيراته لأغراض سياسية، وهذه الظاهرة أساءت إلى الصورة الذهنية للإسلام والمسلمين وجعلت الكثيرين يقرنونه بالإرهاب ، مما يباعد بين المجتمعات الإسلامية وإقامة الدولة العصرية ، دولة التسامح و التعايش السلمي بين مختلف الأطياف والأديان.
واضاف انه إذا كان الإحساس بخطورة هذا الوضع والمصير المشترك قد دفع دول مجلس التعاون للاستجابة إلى طلب البحرين باستدعاء قوات درع الجزيرة تحسبا لأي تهديد خارجي، فقد وضعت أمام المجلس مسؤولية تاريخية لا تتحقق بغير وحدة أعضائه، فى وقت أصبح النظام الإقليمي العربي يفتقر إلى الوحدة و التماسك، وبات الكيان العروبي مهددًا بالذوبان في نظام إقليمي مغاير.
ونوه الى ان المشاكل الحدودية العالقة بين دول المنطقة تشكل على الدوام قلقًا مستمرًا وحالة قد تفضي إلى مزيد من التوتر والنـزاع إذا لم تُحل بالطرق السلمية, فمشكلة الجزر الإماراتية الثلاث لم تعد قضية حدود وإنما هي قضية أرض عربية محتلة , ونقف جميعًا إلى جانب الإمارات من أجل استعادتها بالوسائل المتاحة في إطار القانون الدولي.
وتابع قائلا انه عند الحديث عن أمن الخليج لا بد من الوقوف على دور الإعلام؛ إذْ لم يعد خافيًا على أحد أن هناك جزءًا من الآلة الإعلامية الإقليمية والدولية بدأ يستهدف دول مجلس التعاون من خلال حملات إعلامية تبثها بعض أجهزة الإعلام التي تقدم تقارير منحازة مغايرة للحقيقة ، وتستقي معلوماتها من مصادر تحرص على تقديم رؤيتها البعيدة عن الموضوعية، مما يجعل الحاجة ماسة لوقف التطرف الإعلامي الذي يشجع على الفوضى والانفلات الأمني، وبث الأفكار الهدامة .
واوضح ان ذلك يتطلب أولاً تبني موقف جماعي لا يقتصر فقط على رد الاتهامات، بل ويقدم رسالة إعلامية شاملة قادرة على التأثير لإظهار الحقيقة ,ويتطلب ثانيًا من وسائل الإعلام العربية مراعاة انتمائها القومي وتوخي الحرص فيما تقدمه من رسالة إعلامية قد تضر بأمن دول المنطقة وبالأمن القومي العربي عمومًا.
وبين معالي الشيخ راشد بن عبدالله ال خليفة انه يدخل في نطاق الاستهداف أيضًا الدور الذي تمارسه بعض المنظمات الحقوقية التي تسعى إلى تشويه الإنجاز الذي تحقق في مجال التنمية والإصلاح تحت دعاوى حقوق الإنسان؛ حيث دأبت على تدريب عدد من أبناء المنطقة على مقاومة الدولة وتغيير الأنظمة بصرف النظر عن النتائج والخسائر، حيث شاهدنا هذه المنظمات وهي تخرج عن دورها الفعلي في حماية حقوق الإنسان وحرياته لتلعب دورا سياسيا للتأثير على استقرار الوضع.
واضاف انه لقد ثبت بالتجربة أن بعض المنظمات التي تدعي أنها معنية بحقوق الإنسان تمارس سياسة الكيل بمكيالين، وأنها تتعمد استهداف دول الخليج التي تحترم حقوق مواطنيها، بينما هي تتغاضى عن انتهاكات حقيقية لحقوق الإنسان في دول أخرى، متسائلا أين هذه المنظمات من حماية حقوق الإنسان الفلسطيني , وأين هذه المنظمات من حماية القيم الإنسانية مثل حماية الأخلاق و الآداب العامة و صون المجتمعات من التعصب والكذب والإقصاء و ما سواه .
ولفت الى ان الوضع الأمني الذي مر على البحرين فهو ليس موضوع محاضرة أو دروس مستفادة ، بل إنها كانت فترة دقيقة و صعبة ومسئولية أمنية و وطنية ، والحديث عنها أشبه بسؤال المصاب عن ألمه.
واستطرد قائلا ولكن من كان على هذه الأرض خلال فترة الاضطرابات الأمنية لا بد وانه أدرك تماما خطورة الوضع العام، وكيف تأزمت مشاعر الطائفية بين المواطنين , والتي وصلت إلى درجة القتل، وكان الموقف ينذر بدخول البلاد إلى منعطف الصدامات الأهلية لا محالة.
واضاف انه عندما أقول صدامات أهلية في مثل أوضاعنا الديموغرافية فإنكم مدى حجم الخسارة الوطنية في مثل هذه الظروف، و الأمثلة على هذا الأمر في وطننا العربي ليست بخافية .
وقال انه بالرغم من الخسائر المريرة التي فرضها الواقع المؤلم الذي مررنا به إلا أن تماسك الدولة و امتصاص حجم الفوضى و احتواء الأزمة وضع حدا للخسائر البشرية و المادية التي كان من الممكن وقوعها , وهذا موقف يحسب لقائد الوطن، حيث انه بعد الحمد لله إننا ما كنا لنصل إلى هذا الوضع والخروج من نفق الفوضى والتخريب لولا ثبات قيادة حضرة صاحب الجلالة عاهل البلاد المفدى، وهو موقف لا يقفه إلا من هو صافي الذمة والسريرة ومن يبصر بعين اليقين ساعة المحنة عن طرق اقامة ميزان العدل والإنصاف من مقام القدرة والحكمة والاحتكام إلى القانون لإنصاف الموقف، وهذه العدالة شجاعة نابعة من محبتكم و أبوتكم للجميع في هذا الوطن , مؤكدا ان حكمة عاهل البلاد المفدى حفظت البلاد من الانجراف إلى هاوية المجهول.
من جهة اخرى أوضح وزير الداخلية ان أمن منطقة الخليج أصبح محلا للاهتمامات الدولية منذ أن غدا النفط والغاز مصادر الطاقة الرئيسية، وعماد النمو الاقتصادي والحضارة الحديثة، وذلك بسبب امتلاك منطقة الخليج نحو ثلثي الاحتياطي العالمي من النفط وربع الاحتياطي العالمي من الغاز.
وبين انه انطلاقًا من هذه الأهمية أصبح أمن منطقة الخليج يعني أمن الطاقة العالمي، وتحول ليصبح مكونًا رئيسًا في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي، وهو ما تجسد في حرص الولايات المتحدة الأمريكية على عدم وقوع هذه المنطقة تحت سيطرة أي جهة سواء كانت قوة دولية أو إقليمية، وحرصها على احتواء تفاعلات القوى الإقليمية كأحداث الحرب الإيرانية العراقية في عقد الثمانينيات وما تلاها من أحداث حرب الخليج الثانية في بداية عقد التسعينيات؛ حيث اكتسب أمن منطقة الخليج بعدًا جديدًا بالوجود المباشر للقوات الأمريكية في هذه المنطقة، ثم قيادة الولايات المتحدة في الألفية الجديدة للحرب ضد الإرهاب.
وفضلاً عن الخسائر المالية التي تكبدتها دول الخليج في حروب وصراعات هذه الفترة والتي جاوزت 47 مليار دولار كمساعدات للعراق في حربها ضد إيران، و65 مليارًا في حرب الخليج الثانية، فان تصنيف منطقة الخليج كمنطقة عدم استقرار بسبب تلك الحروب والصراعات أبعدها عن خريطة تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر، ومن ثم التكنولوجيا الحديثة، فكان ما يتدفق لها أقل من 3% سنويًّا، مما يتدفق عالميًّا، وإضافة إلى هذه الخسائر المادية خسرت المنطقة حياة مئات الآلاف من البشر، كما أشعلت هذه الحروب والصراعات عداوات بين أبناء الدين الواحد، وأدت إلى تفكك اجتماعي وتغذية الانقسام الطائفي، بل وأشعلت العداء بين أبناء الوطن الواحد عربي وكردي سُني وشيعي، وأبناء المنطقة الواحدة عربي وفارسي، وأوجدت خللاً في موازين القوى الإقليمية، وأدت إلى ظهور نوازع الهيمنة والتوسع والتدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج العربية.
وفي ختام كلمته طرح الفريق الركن معالي الشيخ راشد بن عبدالله ال خليفة وزير الداخلية عدة تساؤلات وهى هل آثار الحروب والنزاعات التي شهدتها المنطقة ما زالت قائمة ومؤثرة, وهل تمت دراسة الأسباب التي أدت إليها أو الظروف المرشحة لاندلاعها مرة أخرى , وما مدى تأثير الملف النووي الإيراني وتداعياته على استقرار المنطقة , وما علاقة سياسية الفوضى الخلاقة ومشروع الشرق الأوسط الجديد بالاستقرار في المنطقة , وهل يكون القصد النهائي من الشحن الطائفي و المذهبي هو ضرب الإسلام من الداخل؟ هل هناك علاقة بين أحداث سبتمبر وأحداث الربيع العربي , وهل من المفروض أن تنهار الدولة من أجل التغير وما مدى تعارض نهج العنف و سقوط القتلى و الجرحى مع مبادئ حقوق الإنسان , وما هي حقيقة العلاقة التي تربط المنظمات الحقوقية بالدول التي تنتمي إليها .
وأكد أن استتباب الموقف الأمني يتطلب الوصول إلى حالة التعافي والشفاء التام، و تشمل هذه المرحلة قرارات هامة على مستوي الوطن , فالدولة مسئولة في نهاية الأمر عن صيانة أمنها، ولكن هذا يتطلب أيضا رغبة الجميع في تحقيق الاستقرار الوطني، و أهم ركائز نجاح هذه المرحلة هو التضحية بالتطرف لصالح الوطنية.

المصدر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق