31‏/07‏/2011

العراق ينتقل الى الظل بسبب احداث ليبيا وهزات الربيع العربي



انتقل العراق الى "الظل" بسبب احداث ليبيا وهزات "الربيع العربي". ومع ذلك، لا تزال تجري فيه احداث، بوسعها زعزعة الوضع في المنطقة عموما بشكل ملموس. فالامريكان سحبوا الان عمليا تشكيلتهم العسكرية من البلد، وهذا لا يساعد جدا على استتباب الاستقرار. ويجري في العراق الان في الغالب اختبار المخطط ( مع بعض التغييرات بالطبع)، الذي تعتزم واشنطن تنفيذه في افغانستان. وبعبارة اخرى سحب القوات مع زيادة سلك المستشارين والخبراء وزيادة الدعم المالي في نفس الوقت. وهذا في حالة العراق اسهل، لانه يوجد احتياطي كبير جدا من الوقود، مما يتيح لحكومة نوري المالكي في الغالب "تغطية تكاليفها ذاتيا". ومع ذلك ستصرف البنتاغون في العام القادم على الاتجاه العراقي بالذات 118 مليون دولار، علاوة على الميزانة العسكرية، واما ملاك المستشارين (سواء العسكريون او الامنيون) سيكون 17 الف فرد. وهذا يعادل اكثر من تعداد فرقة متكاملة، مما يجعل اعلان البيت الابيض عن "سحب القوات التام من العراق" من حيث المبدأ شكليا نسبيا.
وهنا ينبغي على المخطط العراقي الاجابة عن السؤال: هل يستطيع النظام، الذي نصب من الخارج على "اسنة الحراب" مع مركبته العسكرية، الصمود؟
وتلعب دور المنغص في حالة افغانستان، باكستان، بينما في حالة العراق ـ ايران. وخلافا للعراق لا تمتلك افغانستان في غضون ذلك مواردها للتمويل (بلستثناء المخدرات بالطبع). فهذه قضية اساسية لثبات الانظمة من هذا النوع. ويجدر في غضون ذلك استيعاب ان جوهر النجاح هنا لا في حجم التمويل، بقدر ما هو في طريقة توزيعه "العادل". وهذا بالذات معضلة القيادة العراقية الحالية التي تسعى بكل جلاء للحد من تواجد السنة اقتصاديا في البلد.
وكان الاستخفاف بدور اياد علاوي في الانتخابات وتشكيل الحكومة الوطنية دون مشاركة ممثلين من تكتله "العراقية"، الذي كسب اكبر عدد من الاصوات، اول مؤشر لذلك. واثار هذا استياء السنة بالطبع، اضافة الى المشاكل الهائلة في تذليل الازمة السياسية الداخلية. وتجدر الاشارة الى ان اياد علاوي قدم نموذجا مثاليا ليومنا الراهن، بتمثيل كافة الطوائف "بشكل عادل" في الحكومة، وثمن هذا الامريكان بالمرتبة الاولى. فكان علاوي وتكتله في الغالب الطفل المدلل لدى الجنرال ديفيد بتريوس، قائد القوات الامريكية وقتئذ في العراق، الذي يعتبر من جيل العمليين، الذين يستوعبون شيئين ضرورين وواضحين لممارسة السياسة في الشرق.
1 ـ عدم امكانية حل المشاكل بالوسائل العسكرية البحتة. ومن هنا الخمول الذي كانت تتصف به القوات الامريكية لدى شن عمليات حربية واسعة الابعاد.
2 ـ اعداد نظام "ضوابط وموازنات" متوازن بمشاركة معظم الشرائح الاثنية والطائفيه فيه باقصى درجة، مما يوفر احتياطي متانة للنظام.
وان تقدم تكتل علاوي "حير" الولايات المتحدة بكل جلاء، وبعبارة ادق، اقناع حكومة نوري المالكي والاكراد بذلك عن طريق "الترغيب والترهيب". فقد كانت تخيف وزاة الخارجية الامريكية امكانية عوم الشيعة العراقيين باتجاه طهران في هذه الحالة. وفي النتيجة يزداد نفوذ ايران في المنطقة مرات. ونعول على ان تجري الولايات المتحدة التعديلات الضرورية بتبوء بتريوس منصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية.
وعلى العموم تعتبر طهران العراق الان "ساحة المعركة الاساسية": بعد فقدانها مواقعها على خلفية الاضطرابات في سورية واحداث البحرين. وهذه الاخفاقات في الحقيقة كانت الحجة الرسمية لاستبدال قيادة المخابرات الايرانية، الذي دعا الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد له باصرار. الا ان المرشد الاعلى الايراني علي خامنئي عارض هذه المحاولة، ومع ذلك يعتبر النجاح في العراق الآن بالنسبة للمخابرات الايرانية المسوغ الاخير لرد الاعتبار لها.
ونتيجة السياسة الامريكية القصيرة النظر هذه برزت بكل جلاء مؤشرات تقسيم العراق على اساس طائفي. وان تصريح رئيس البرلمان العراقي النجيفي، الذي رسم بكل جلاء خطر انهيار البلد بجمع 4 محافظات "سنية" (ديالى وصلاح الدين والموصل والانبار)، في دولة منفصلة، اثار صدمة خفيفة ليس في العراق وحده. والقضية هنا ليست حتى في اعلان احد قادة البلد الكبار هذه الامكانية بصراحة. وحتى ليست في انها حاليا مجرد لعبة في الغالب "للتخويف"، لان علاوي (كما كافة قادة الاحزاب السياسية العراقية عمليا)، سارع "للتنصل" عن هذه الخطوة. والقضية هو اشارة واضحة جدا الى انه "ليس كل شيء في بغداد على ما يرام" وكذلك الظاهرة، التي تتنامى في ظروف سياسة واشنطن اللامبدئية في العراق.
معهد الشرق الاوسط
يوري شيغلوفين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق