29‏/07‏/2011

قاسم سليماني يدير العراق سرا ولا أحد يعصي أوامره



نشرت صحيفة "ذي غارديان" البريطانية اليوم الجمعة تقريرا أعده مراسلها مارتن تشولوف حول الرجل الإيراني صاحب النفوذ الكبير في العراق والذي يعتقد البغداديون أنه يحكم البلاد، وفي ما يأتي نص التقرير: "ثمة قصة تقول إن مدير وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إيه" الجديد، ديفيد بترايوس، يحب العودة بالذاكرة إلى أيامه كجنرال برتبة أربع نجوم في العراق.
في أوائل العام 2008، وخلال سلسلة من المعارك بين الولايات المتحدة والجيش العراقي من جهة والميليشيات الشيعية من جهة أخرى، تسلم بترايوس هاتفا محمولا يحمل رسالة قصيرة من جنرال إيراني أصبح خصمه.
أتت الرسالة من رئيس قوة القدس النخبوية الإيرانية، قاسم سليماني، ونقلت عن طريق قائد عراقي كبير، وكان نصها: "جنرال بترايوس، يجب أن تعلم انني أنا، قاسم سليماني، اسيطر على السياسة العامة في إيران تجاه العراق، لبنان، غزة وأفغانستان. وبالطبع، فإن السفير في بغداد هو أحد أعضاء قوة القدس. ومن سيتولى هذا المنصب بعده سيكون من أعضاء القوة أيضا".
لم يكن بترايوس يحتاج لأن يتم إخباره. فقد كان الكثير من العمل الذي تقوم به الولايات المتحدة مع شيعة العراق يتم تقويضه من جانب سليماني والميليشيات الشيعية العميلة لدى قوة القدس والتابعة للجنرال الإيراني. وكذلك كانت تتأثر الجهود الدبلوماسية في غير ذلك من أنحاء الشرق الأوسط ، خصوصاً في لبنان.
وكان الجنرال بترايوس قد أخبر "ثينك تانك"، وهو معهد دراسات الحرب، عن المشكلة التي سببها سليماني له: "الآن، ستكون الدبلوماسية أمرا صعبا إذا ظننت انك ستتبع الوسائل التقليدية للدبلوماسية بالتعامل مع وزير الشؤون الخارجية لدولة أخرى لأنه في هذه الحالة، إنها ليست وزارة، إنه جهاز أمني".
ولا بد ان بترايوس، بينما كان يتجهز لوظيفة أعلى جاسوس أميركي، كان يحضر لمزيد من القتال في الظل. لم تتراجع سمعة سليماني كأهم فاعل في المنطقة خلال الأعوام الثلاثة الماضية. في الواقع، كانت قد تعززت: لأن سوريا أصبحت الآن ضمن دائرة نفوذ سليماني.
قوة العلاقات بين سليماني والنواب العراقيين كشف النقاب عنها خلال اسابيع من المقابلات مع مسؤولين كبار، منهم بعض ممن يكنون له الإعجاب ومن يخافون من الرجل أكثر من أي شخص آخر.
وزير أمن الدولة العراقي السابق، شروان الوائلي يعرف سليماني جيدا. وقد اتخذت المحادثة الرسمية بين "ذي غارديان" والوائلي منحى مختلفا ما إن تم ذكر اسم سليماني.
كان النائب الشيعي حليفا معروفا لإيران، إلى حد أنه كان يعتبر من قبل العلمانيين والسنة في البرلمان على أنه شخص مستعد للقيام بالمزاودة الإيرانية. وقد أنكر أن إيران كانت تلعب دورا واسع النطاق في العراق حتى طرح عليه سؤال طالما فضل المسؤولون العراقيون تجاهله: متى كانت المرة الأخيرة التي أتى فيها قاسم سليماني إلى المنطقة الخضراء، المنطقة الحكومية المحصنة في قلب بغداد؟
ارتجفت يد الوائلي اليسرى قليلا وتجهمت ملامحه، وقال: "تقصد السيد قاسم سليماني"، معطيا سليماني درجة كبيرة من الاحترام. ورفض الإفصاح عن اي معلومات.
في بغداد، لا يثير أي اسم آخر الدرجة نفسها من ردة الفعل لدى الطبقة العاملة في البلاد – عدم الارتياح، عدم اليقين والخوف.
قال وزير الأمن القومي العراقي السابق موفق الربيعي: "إنه أقوى رجل في العراق من دون شك. لا يمكن فعل أي شي بدونه".
لكن حتى الآن، لم يجرؤ كثير من العراقيين على الحديث بصراحة عن الجنرال الإيراني الغامض، والدور الذي يلعبه في العراق وكيف يشكل الأجندات الأساسية للبلاد.
قال مسؤول أميركي كبير: "إنهم مشغولون للغاية بالتعامل مع الفترة الانتقالية، هو يملي الإجراءات ثم يجعل الأمور تحدث ويترك للعراقيين إدارة وضع لم يكن لهم في إيجاده أي دور".
رحلة سليماني للهيمنة في العراق تعود جذورها للثورة الإسلامية في إيران عام 1979، التي اطاحت بالشاه وجعلت من إيران دولة شيعية أصولية. وقد برز بثبات مترقيا عبر الرتب العسكرية الإيرانية حتى عام 2002، قبل شهور من الغزو الأميركي للعراق، حين عين قائدا لأعلى قوة نخبوية من وحدات الجيش الإيراني – قوة القدس التابعة للحرس الثوري.
قوة القدس لا مثيل لها في إيران. ومهمتها الأساسية المعلنة هي حماية الثورة. لكن صلاحياتها ترجمت بتصدير اهداف الثورة إلى أجزاء أخرى من العالم الإسلامي.
وقد أثبتت المجتمعات الشيعية في المنطقة على أنها أرض خصبة للرسائل الثورية وشكلت شراكات عميقة مع قوة القدس. وكذلك فعلت بعض الجماعات السنية المعارضة لإسرائيل، وأولها "حماس" في غزة.
لكن العراق أصبح الحلبة الأساسية لنشاطات سليماني. وقد شهدت الأعوام الثمانية الماضية حربا خفية بين قوات سليماني والجيش الأميركي، وما تزال النتائج غير واضحة، بينما تحضر الولايات المتحدة لانسحاب كامل من العراق ويتجادل قادة العراق بشأن ما إذا كان يجب أن يطلبوا منهم البقاء.
أرض عربية
المسألة تتعلق بمن الذي سيشكل مصير هذه الأرض العربية. وقال صالح المطلق، احد النواب الثلاثة لرئيس الوزراء العراقي، وهو سني علماني: "قوته تأتي مباشرة من رجل الدين آية الله الخميني، هي تتجاوز كل شخص آخر، بمن فيهم أحمدي نجاد".
واضاف المطلق: "هناك قول في الإسلام بأنك ينبغي الا تغضب والديك. الشيعة يفسرون ذلك بأن ما يقوله الخميني عن طريق سليماني يجب أن يحترم من قبل كل شيعي داخل ايران أو خارجها. كل الناس المهمين في العراق يذهبون لرؤيته، الناس مفتونون به، ويعتبرونه ملاكا".
وقال نائب اخر، وهو من بين كبار اعضاء الدائرة المقربة من رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ويلتقي بصورة منتظمة مع سليماني في ايران، ان الجنرال الايراني لم يقم بزيارة العراق الا مرة واحدة طوال السنوات الثماني الماضية. ووصفه بانه "محدث هادئ ومنطقي وفي غاية الادب". وقال انه "عندما تحادثه يبدو بسيطا. ولا يمكن للمرء ان يدرك مدى سلطاته اذا كان لا يعرف خلفياته. ولديه سلطات مطلقة ولا يستطيع احد ان يناقشه فيها".
ويبدو سليماني ابعد ما يكون عن زعماء الحروب، فقد ترك الشيب شعره بلون فضي، ومن سماته التواضع ولا تفارقه ابتسامة هادئة. ومن التقى به في المرة الوحيدة التي زار خلالها بغداد في اوج الصراع الطائفي العام 2006 يقول انه تجول من دون حراسة بين مقر كل من مضيفيه الرئيسيين. ولم يعرف الاميركيون انه كان في العاصمة العراقية الا بعد ان عاد الى ايران، وشعروا بغصة عندما علموا ان عدوهم الاكبر كان بين ظهرانيهم.
وقال احد كبار المسؤولين الاميركيين انه "فعلا مثل كيزار سوز" وذلك في اشارة الى الوغد الاسطوري في احد الافلام الاميركية الذي بث بجبروته وسلطته الرعب في قلوب كل الناس. "ليس هناك من يعرفه، وهذا الرجل شبيه به. انه في كل مكان ولكن لا احد يعرف اين هو".
وقال النائب الشيعي الكبير "لقد تمكن من تشكيل حلقات ارتباط مع كل مجموعة شيعية منفردة وعلى مختلف المستويات. وفي العام الفائت، قام خلال اجتماع عقد في دمشق بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة، وكان في الاجتماع الى جانب زعماء من سوريا وتركيا وايران وحزب الله. "وقد أجبرهم على تغيير افكارهم، ومرر بسهولة المالكي في منصبه لولاية ثانية".
وخلال السنوات الخمس التي امضاها المالكي في الحكم في العراق، سُمح لجميع مستشاريه الرئيسيين بلقاء سليماني. وقد التقى الرئيس العراقي جلال الطالباني، وهو من الاكراد، بانتظام مع الجنرال، واحيانا على الحدود التي تفصل البلدين.
ونشأ عن الانتفاضة السورية بعد جديد. فقد انضمت "قوات القدس" في عمليات كبح الانتفاضة السورية، وذلك وفق مصادر عديدة داخل البلاد وخارجها.
وفرضت الولايات المتحدة عقوبات شخصية على سليماني واثنين من جنرالات قوات الامن الايرانية الذين تتهمهم بتنظيم الاجراءات المتشددة التي قيل انها ادت الى مقتل اكثر من 1600 من المدنيين.
وقد اسهمت طهران بقسط واسع في الجهود التي بذلت لبقاء الرئيس السوري بشار الاسد الذي تحتفظ الى ايران وسليماني. ولعلها المنطقة الوحيدة التي يخضع فيها التمازج المفضل للجنرال بين الدبلوماسية الاستراتيجية والعمليات الهجومية لاثبات صلاحيته.
وفي ذات الوقت، تستسمر اعمال "قوات القدس" في العراق. فجميع القوات الاميركية التي قتلت في حزيران (يونيو) فيما عدا اثنين منهم، وهو اعلى رقم منذ اكثر من سنتين، لقوا مصرعهم على ايدي ميليشيات عميلة تخضع لسيطرة سليماني مباشرة وكتائب حزب الله واليوم الموعود.
وقال المدير العام لفرع الاستخبارات في وزارة الداخلية العراقية حسين كمال ان "من الواضح ان قوات القدس هي المسؤولة. فقد تدفقت الاسلحة بانتظام الى داخل العراق خلال السنوات الثماني الماضية. ومن الطبيعي انهم يقولون انها لا تحظى بموافقة الدولة. ولكن عندما تتدفق الاسلحة عبر الحدود الى دولة ذات سيادة، فان من الواضح تماما الى من توجه اصابع الاتهام.
انها اسلحة فتاكة، ولا يستطيعون نفي مسؤوليتهم عنها".
وقال نائب شيعي اخر انه شخصيا سأل سليماني لماذا تواصل قوات القدس التابعة له تهريب الاسلحة التي اطلق نيران الكثير منها نحو المنطقة الخضراء حيث يعيش هو وكثيرون من المقربين من المالكي. واضاف انه "ابتسم وقال لا علاقة لي بذلك. وقال ايضا ان لا فكرة لديه من اين تأتي هذه الاسلحة".
ويصف الاشخاص الذين يكرهون سليماني، وهم العراقيون السنة والذين قضوا سنوات وهم يحاولون معرفة سلطاته، بانه "داهية موهوب" ولاعب ثلاث ورقات ماهر.
ويقول مسؤولون اميركيون امضوا سنوات يحاولون تعطيل عمل الموالين له انهم تواقون الى لقائه، في ذات الوقت الذي يشعرون فيه بالحيرة ازاء اهدافه.
وقال احد كبار العسكريين الاميركيين "اود ان أساله عما يريده منا". اذ بالاضافة الى الجنود الذين قتلوا هذا العام، فان السفير الاميركي في بغداد جيمس جيفري قال في الصيف الماضي ان عملاء الايرانيين مسؤولون عن حوالي رُبع الاصابات في القوات الاميركية المقاتلة في العراق، اي حواي 1100 قتيل وعدة الاف من الجرحى.
ورغم ذلك فان الولايات المتحدة تمكنت من توجيه عدة ضربات عامة للمقربين من سليماني.
ففي آذار (مارس) 2007 تمكنت القوات البريطانية الخاصة من القاء القبض على علي موسى الدقدوق، احد كبار المسؤولين في حزب الله، الذي ينسب اليه انه قام بالتخطيط لعملية ادت الى مقتل سبعة جنود في كربلاء. وفي العام ذاته، قبضت القوات الاميركية في الشمال الكردي على اثنين يعتقد انهما من قادة "قوات القدس". وفيما عدا ذلك فان خزانة الميداليات تظل فارغة – على الاقل علنا. وما يثير القلق بصورة اوسع من قحط الانتصارات التكتيكية هو كيف سيكون عليه الحال بقية العام.
اذ تعتقد الولايات المتحدة – وعدد من الدول السنية المجاورة الكبرى – ان استراتيجية ايران في العراق مع تراجع حدة النزاع يقضي ان تستمر البلاد في حالة فوضى دائمة ولكن تحت السيطرة.
وقال احد المسؤولين اللبنانيين في بيروت "انهم يبقون القدر يغلي بهدوء، ويرفعون درجة غليانه او يخفضونها حسب رغبتهم".
ويوافق على ذلك كبير الناطقين العسكريين الاميركيين في العراق الجنرال جيفري بوكانان "ان استراتيجيتهم الاجمالية هي المحافظة على العراق معزولا عن بقية جيرانه وعن الولايات المتحدة، لان ذلك يجعل بالامكان الاعتماد على ايران. فهم يريدون من العراق ان يقوم بدور التابع الضعيف".
ولا يستطيع الا النواب العراقيون وقف العلاقة بين السيد بالمسود من ان تغرس جذورها هنا. فهي مهمة يخشى النائب الكردي في المجلس الوطني محمود عثمان ان تكون بعيدة عن امكانات اقرانه في البرلمان.
وقال ان "قاسم سليماني هو الرجل الرئيسي في أي قرار يتخذ في العراق. ومن العار ان يقوم شخص مثله بلعب مثل هذا الدور في هذا البلد. فلا بد من قيام علاقة بين طرفين متعادلين مثل العلاقات العادية مع دول عادية".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق