27‏/07‏/2011

تحليل: سوريا تواجه خطر الانزلاق الى فوضى طائفية


تزداد الاحتجاجات الشعبية في سوريا جرأة والتصدعات في المؤسسة عمقا غير أنه اذا كان المحتجون السوريون يريدون إسقاط الرئيس بشار الأسد وإنهاء حكم عائلته الممتد منذ 40 عاما فسيكون أمامهم طريق طويل مخضب بالدماء.
ويرتفع ثمن هذا الجمود في الموقف يوميا في ظل فوضى طائفية وحركة احتجاجية متنامية واقتصاد متداع دون مؤشر على أن الأسد والأقلية العلوية التي ينتمي لها يفكران في إستراتيجية للخروج بعد أربعة عقود في الحكم.
غير أنه حتى ألان لا توجد بوادر لنقطة تحول يمكن أن تضمن نجاح المحتجين كما حدث في مصر وتونس حين خرج الملايين إلى الشوارع للإطاحة برئيسيهما الشموليين.
وقال باتريك سيل الذي كتب سيرة الرئيس الراحل حافظ الاسد والد بشار "الوضع لم يصل بعد الى تكتل حرج."
وأضاف "دمشق لم تنتفض وأجهزة الأمن لم تنقسم بعد والاقتصاد لم ينهر. النظام يبدو ضعيفا والمعارضة تبدو أضعف."
وربما تكون حوادث القتل الطائفية في مدينة حمص هذا الشهر مقدمة تحمل في طياتها إنذارا في دولة مختلطة الطوائف والأعراق ولها تاريخ طويل من القمع على أيدي قوات الامن التي يقودها العلويون.
وتمثل الطائفة العلوية أقلية في سوريا التي يغلب عليها السنة فضلا عن أعداد صغيرة من الدروز والمسيحيين والأكراد.
واختفت مجموعة من العلويين منهم أربعة من رجال الأمن في 14 يوليو تموز. وعثر على أربعة منهم قتلى. وخرج بعض العلويين من الأحياء التي يسكنونها في حمص إلى الشوارع وأشعلوا النيران في متاجر مملوكة للسنة وحطموها.
ويرى محللون ان خطر اندلاع صراع طائفي حقيقي. بل انه قد يروق للسلطات وبعض خصومها كوسيلة لكسر جمود الموقف. لكنه ينطوي على مخاطر جمة على حكم عائلة الأسد والمعارضة على حد سواء.
يقول يوجين روجان مدير مركز الشرق الأوسط في جامعة اوكسفورد "هذه إستراتيجية خطيرة على نظام يحاول البقاء... اذا أصبحت الطائفية مشكلة يتفكك جيشك."
ويشير محللون الى أن حوادث القتل في حمص كان الدافع وراءها الحملة الأمنية التي شملت اعتقال واختفاء وتعذيب مئات الرجال حتى الموت. والإسلاميون الذين تضطهدهم قوات الأمن منذ زمن بعيد لديهم دوافعهم الخاصة.
وقال صحفي عربي مقيم في دمشق طلب عدم نشر اسمه "الحل الأمني لم ينجح. النظام قرر اختيار الصراع الطائفي لإحساسه بأنه يخسر. الاحتجاجات تنتشر وتمتد الى العاصمة."
ويقول قرويون علويون ان السلطات تسلح شبانا لمكافحة التمرد. وسلمت قوات الامن جثث بعض الشبيحة الممثل بها لاسرهم لدفنها وهو ما فجر كراهية طائفية في تلك القرى.
ويبدو الارتياب الطائفي واضحا حيث لا يثق الاسد الا في وحدتين رفيعتي المستوى يقودهما شقيقه ماهر هما اللواء الرابع المدرع والحرس الجمهوري فضلا عن الشرطة السرية وميليشيات علوية تعرف باسم الشبيحة للتعامل مع الاحتجاجات.
وقال روجان من مركز الشرق الاوسط "تماسك (قوات الامن) محل شك بالفعل. الطائفية أصبحت مشكلة بالفعل. لا يمكن الاعتماد على ولاء الوحدات الاخرى."
وفي حين تنحي السلطات باللائمة في موجة الاحتجاجات الشعبية على الاسلاميين فان الواقع يبدو اكثر تعقيدا.
يقول بعض المتابعين للشأن السوري ان الحركة الاحتجاجية يحركها في الاساس الشبان وتضم قبائل سنية ريفية وقوميين ويساريين وعلمانيين وايضا اسلاميين اتحدوا على هدف الاطاحة بحكومة شمولية وفاسدة.
ومن الناحية الجغرافية امتدت الاحتجاجات منذ مارس اذار الى الكثير من المناطق الريفية والقبلية ومدن مثل حماة وحمص وحتى دمشق وان كانت لم تحدث على نطاق ضخم في العاصمة.
وتنتشر قوات الامن وأفراد ميليشيا الشبيحة المزودين بقضبان معدنية في كل مكان. ونشر الجيش دبابات حول المدن الرئيسية لابعاد المحتجين عن الريف.
وقال الصحفي العربي "وحشية النظام زادت 180 درجة. العداء ضده ازداد بشدة ايضا بين المواطنين العاديين وليس المحتجين فحسب. هناك اعتقالات واسعة النطاق في كل المناطق والمدن والقرى."
وقال مقيمون ان الوحدات العلوية على الرغم من أنها محملة بأعباء تفوق طاقتها فقد صعدت من حملتها وتظهر صمودا في مواجهة المظاهرات المتنامية. غير أن المقيمين يقولون ان الحركة الاحتجاجية في تنام ولا تظهر بوادر على التراجع.
وفي دولة لم يجرؤ فيها أحد ذات يوم على أن ينبس ببنت شفة ضد الرئيس تظهر الهتافات التي تتحدى الاسد مدى الجرأة التي اكتسبها النشطاء.
وكتبت عبارات على صناديق القمامة تشير الى أن هذا هو مال الاسد الاخير.
يقول محللون ان اسقاط النظام ينطوي على مخاطر لان هيكل السلطة الذي يشغل فيه العلويون مناصب رئيسية في الجيش ويدير المقربون من عائلة الاسد الاجهزة الامنية الرئيسية يربط مصير كبار الضباط بمصير الرئيس.
ويشير سركيس نعوم خبير الشؤون السورية الى أن من غير المرجح أن تتم الاطاحة بالاسد بسرعة لكن الصراع قد يتطور الى حرب أهلية دموية.
وقال نعوم الكاتب بجريدة النهار اللبنانية اليومية ان من غير الواضح كيف سيتطور الوضع وكم من الوقت سيستغرق. وأضاف ان النظام لا يستطيع أن يفوز لكن المعارضة غير قادرة على الفوز ايضا.
وما يزيد المشهد السوري تعقيدا أن عائلة الاسد ستقاتل حتى النهاية ولن ترحل لخشيتها من استهداف العائلة والطائفة العلوية في ظل نظام حكم سني.
وأشار نعوم الى أن عائلة الاسد لن تتخلى عن الحكم وترفض الاصلاح لانه سيضطرها الى التخلي عن السلطة.
وقال روجان ان رحيل الاسد ليس وشيكا وأضاف "انه طريق طويل قبل أن نصل الى المرحلة التي يضطر فيها بشار الى الرحيل. النظام أقوى كثيرا مما يود الناس اعتقاده لكن الاسد ضعيف ولا يتمتع بحس القيادة."
وأصابت الاحتجاجات الحياة في دمشق بالشلل. وتفتح المتاجر ابوابها لبضع ساعات خلال اليوم وتغلق مبكرا. والنشاط التجاري معطل وفقد كثيرون وظائفهم.
وحين يحل الظلام يسود التوتر المدينة التي كانت صاخبة بالانشطة الليلية ذات يوم.
وقد يكون الاقتصاد لعنة الاسد. فبعد أن كان الاقتصاد ينمو بمتوسط خمسة في المئة على مدى الاعوام الخمسة الماضية فان من المتوقع أن يتقلص هذا النمو الى ثلاثة في المئة هذا العام لان السياحة التي تمثل 23 في المئة من عائدات سوريا من العملة الصعبة والاستثمارات الاجنبية تعطلت.
وفي ظل فنادق شبه خالية واحتمالات متزايدة بفرض عقوبات نفطية على سوريا تحاول دمشق جاهدة الحفاظ على العملة المحلية والاجنبية من خلال رفع أسعار الفائدة على الودائع والحد من بيع العملات الاجنبية.
وتشير تقارير غير مؤكدة الى أن طهران التي تعتبر سوريا حليفا وثيقا ساعدت الاسد بالتمويل والخبرات.
وقالت صحيفة ليزيكو الفرنسية ان ايران تبحث تقديم مساعدات مالية قيمتها 5.8 مليار دولار.
ويشير المعارض السوري اسامة المنجد الى أن ايران التي سحقت حركتها الشبابية الداعية للديمقراطية بعد انتخاب الرئيس محمود احمدي نجاد لولاية ثانية عام 2009 أرسلت خبراء لمساعدة السلطات السورية لمراقبة وتعطيل الاتصالات عبر القمر الصناعي والانترنت.
وقالت المعارضة ان الحكومة وجدت صعوبة في مراقبة اتصالات النشطاء الى أن تدخل الايرانيون وأمدوا السلطات بأجهزة صينية وكورية شمالية لاختراق المحادثات والتنصت عليها.
وقال المنجد المتحدث باسم المعارضة السورية في اوروبا ان المعارضة تحاول جمع التمويل وحشد الرأي العام الدولي لفرض عقوبات على الاسد ومساعديه.
وفي حين يفكر مراقبو الشأن السوري في السيناريوهات المتنوعة فان ايا منها لا يبشر بنهاية جيدة.
وقال روجان "كلما رحلت هذه المافيا أسرع كلما كان هذا افضل... خلال محاولة التخلص من هؤلاء يمكن أن يحدث ما هو أسوأ مما رأيناه بالفعل."
وقال سيل "كلما أريق المزيد من الدماء كلما زادت صعوبة الوصول الى حل. يجب أن يكون هناك حل ما من خلال التفاوض. اذا لم يتم التوصل الى حل ستندلع حرب أهلية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق