تقارير إسرائيلية معطوفة على تصريحات من هذا المسؤول السياسي إلى ذاك المسؤول العسكري، تتوعد بالصدام الكبير مع حزب الله تارة ومع سوريا تارة أخرى. العقل الإسرائيلي يحاول بيعنا قلقا كبيرا من إحتمال سقوط النظام في سوريا وما قد يلي ذلك من خطر على الإستقرار في الجولان، كما يحاول تسويق فكرة الإنقضاض على حزب الله والإستفراد به حال سقوط النظام في دمشق، ويكمل من فنتازيا إلى أخرى تدور كلها حول فكرة العودة إلى العسكريتاريا فقط.
ورغم أن التصريحات الإسرائيلية لا تحمل جديدا في لازمة التهويل من البعبع العربي المهدد لديمومة الكيان منذ نشوء الدولة، إلا أن مأزق البقاء الذي يحيط بدمشق وتل أبيب وحزب الله قد يمنح ذلك الكلام صدى يجب عدم التهوين منه. إسرائيل تعاني من أزمة سياسية داخلية معطوفة على أزمة إقتصادية بدأ الشارع يدلل عليها، ناهيك عن أن الإئتلاف الحاكم يعاني من هزال وتضعضع جراء حالة التوتر المقلقه بين إسرائيل وإدارة باراك أوباما. ولا ريب أن الهلع الدبلوماسي الإسرائيلي من مجرد طرح الموضوع الفلسطيني أمام الأمم المتحدة، مؤشر على جدية العزلة والأزمة والمأزق الذي بات يحاصر الحركة الدولية لإسرائيل.
لكن الأزمة الأهم في العقل الإسرائيلي تتمثل في هذا الربيع العربي، من حيث العجز عن توقع نتائجه، ويذهب هذا العجز بحيث تروح التحليلات الإسرائيلية إلى أسوء السيناريوهات (من نوع تحول العرب إلى أمة متحدة ضد إسرائيل متحالفة مع إيران وتركيا مثلا!)، مع ما يعني ذلك من إمتطاء لإقصى خيارات العسكريتاريا المتاحة.
في المقابل يعاني حزب الله مأزقا تاريخيا لا سابق له في تاريخه. فالحزب تحول في لبنان إلى فصيل محلي مستغرق في زواريب السياسة البيتية اللبنانية، متحريا بيأس دورا استثنائيا لطالما حظي به كمحتكر للفعل المقاوم، وساعيا بشكل مجهد لرد التهم عنه تارة بالوقوف وراء إغتيال الرئيس رفيق الحريري وتارة أخرى بعمله على السيطرة على مفاصل وتفاصيل السلطة في لبنان، مع تداعي ذلك على موقع لبنان وعلاقاته مع المجتمع الدولي. كما أن الحزب الذي تمتع قبل عام 2000 بغطاء عربي ودولي ضمن تفاهم نيسان (الذي عمل على إبرامه رفيق الحريري)، أضحى يعاني من عزلة عربية كاملة (كان آخرها إبتعاد قطر) ومن عداء دولي عززه قرار المحكمة الدولية الظني/ الإتهامي.
أما سوريا، فلا ضرورة لسرد أوصاف المأزق الخطير الذي يهدد النظام السياسي في دمشق، ولا طائل من عرض تراجع الموقف المجتمع الدولي إزاء ديمومة وضرورة بقاء النظام برئيسه (يكفي متابعة التصريحات الأوروبية الأميركية). والأزمة من إمعان إلى إمعان في تصاعد مزدوج في حركة الشارع السوري ضد نظام الحكم من جهة، وفي تصاعد دراماتيكي خطير في حجم وأسلوب القمع المستخدم من جهة أخرى.
تتناوب الأطراف الثلاثة على تبادل الإتهامات والتهديدات والتهويل بما هو أعظم. أول الإشارات وأشهرها ما أطلقه رامي مخلوف (قبل أن يتوجه للعمل الخيري) من تحذيرات من انه بدون استقرار فى سوريا لن يكون هناك استقرار فى اسرائيل. وقد تولت دمشق ترجمة كلام إبن خال الرئيس ففتحت الجولان (الموصد منذ عقود) أمام مئات من المدنيين للدخول والإحتجاج والباقي معروف. وكان اللافت ليس فقط ارتكاب دمشق للمحظور هذا، بل تجاوب اسرائيل في حمل الماء الى الطاحونة السورية من خلال فتح النار بشكل عشوائي وغير مبرر (حسب المعلقين الاسرائيليين) في الجولان وجنوب لبنان، لعل في ذلك، وفق كتاب إسرائيليين، مساهة إسرائيلية في تحويل النزيف الداخلي الى أزمة حدود مع ما يواكب ذلك كلاسيكيا من أرباك لإنتفاضة السوريين من خلال اجترار خطاب الصراع مع العدو.
على أن الأمر وإن بقي بغرابة محدود التداعيات (من قبل دمشق وحزب الله)، إلا أنه شكل مناورة تمرينية لإحتمالات الصدام الكبير إذا ما توفرت الضرورات الموضوعية للإطراف الثلاثة. حزب الله وسوريا وإسرائيل يحتاجون إلى صدام كبير يبعد عنهم الكأس المرة. ولكل طرف كأسه المرة. حزب الله وعلى لسان أمينه العام رفع قضية النزاع اللبناني الإسرائيلي على المياه البحرية إلى مصاف القضايا التي تطوع بالدفاع عنها (كما مزارع شبعا وتلال كفرشوبا)، في حين يترافق ذلك مع تهديدات اسرائيلية علنية بالدفاع عسكرياً عن عمليات التنقيب عن الغاز في المياه الاسرائيلية. وتاتي التفجيرات الأربعة التي تعرض لها انبوب الغاز المصري المتوجه الى اسرائيل ليزيد من شكوى اسرائيل من حاجتها الملحة للغاز وعجالة البحث عن البديل في قلب المياه الاسرائيلية التمنازع عليها مع لبنان، وبالتالي مشروعية الصدام الكبير من أجل الحاجة إلى الطاقة.
تقارير اسرائيلة واخرى اميركية خرجت في الاسابيع الاخيرة تتحدث عن احتمالات الصدام. والامر يستحق المناقشه لغياب البدائل المتوفرة للخروج من مآزق الأطراف الثلاث. واللافت ان الصدام قد يحظى بموافقة خبيثة إقليمية ودولية في سعي لتبديد الضباب واعادة ترتيب المنطقة وفق قواعد جديدة واضحة تحل مكان تلك الرمادية القصوى التي اضحت تشل الجميع اقليميا ودواليا. غير ان التطبيل الإسرائيلي السوري الحزباللاهي قد يعبر ايضا عن مقت لمكروه يراد استبعاده او عدم التورط في اشعاله. ذلك ان النظام في دمشق لم يعد مقتنعاً ان حربا اسرائيلية ستكون علاجا لازمته، بل قد يتسبب الامر في إنهيار كامل. الامر نفسه ينسحب على حزب الله الذي لا قد يتحمل حربا اخرى قد تطيح بشعبيته داخل الطائفة الشيعية، كما قد تطيح بموقعه كراعي اساسي للدولة اللبنانية، كما لا تحمل ضمانا لنتائجها العسكرية. اما الطرف الاسرائيلي، والذي لا شك أنه اكثر المحتاجين معنويا الى حرب تعيد الثقة الى جيشه بعد ادائه عام 2006، فجل تقاريره الإستراتيجية على غرورها وغلوائها لا تحمل ضمانات تغيير في التوازن الإستراتيجي في المنطقة (التفوق بالمعنى الإسرائيلي)، كما أنها غير معنيه بخوض حرب تستنزف فيها قواها قبل حسم الأمر مع الخصم الأكبر في إيران حربا أم سلما.
محمد قواص
صحافي وكاتب سياسي لبناني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق