يدور نقاش محتدم الآن حول مدى جاهزية القوات المسلحة العراقية،لتسلم زمام الأمور الأمنية في البلاد بعد انسحاب القوات الأميركية المفترض في نهاية العام الحالي، فيما تتناقض آراء كبار المسؤولين، حول تكوين الجيش والقوات المسلحة ومدى حاجتها إلى التسليح ونوعيته.
وفي الوقت الذي يعلن رئيس الوزراء، القائد العام للقوات المسلحة، نوري المالكي عن إحياء وتطوير عقد صفقة الطائرات «اف.16»، وشراء أسلحة ثقيلة أخرى ومعدات عسكرية، لغرض حماية الحدود، يقر المالكي نفسه بأن قوات الجيش العراقي ستبقى في المدن، لعدم تمكن قوات الشرطة من حمايتها، وبسط السيطرة الأمنية فيها، ما يعني أن مهمة الجيش الحالي ليست حماية حدود البلاد، بل هي مهمة داخلية.
ويرى المراقبون السياسيون أن في ذلك ما ينافي مقولات حكام ما بعد الاحتلال بان النظام السابق استغل الجيش في معارك داخلية، وهو المنشغل منذ أكثر من ثماني سنوات بمعارك داخلية، والقيام بدور الشرطة وليس بالمهام التي يفترض أن يقوم بها الجيش.
وحسب بعض المراقبين إن هناك من يعتقد بأن الحاكم المدني للعراق بعد الاحتلال بول بريمر ارتكب خطأً كبيراً بحله الجيش العراقي المتمرس، ولكن هذا الرأي يفتقد الكثير من الدقة لأن المحتل لم يأت إلى العراق محررا، بل أتى محتلا يريد المكوث ولا يرى مبررا لوجود جيش، وان الجيش الحالي فرضت وجوده ظروف محلية لا أكثر، حيث كان مخطط الاحتلال أن يكون هو حامي الحدود، ويستعين بقوات محلية محدودة للضرورات، وخاصة في المجال الداخلي، وهذا ما يفسر بقاء الجيش الحالي طيلة المدة المنصرمة، بدون تسليح حقيقي، يتناسب مع ما موجود لدى اصغر دولة في المنطقة.
ويذكر النائب عن ائتلاف دولة القانون، عباس البياتي، مفارقة غريبة، وهي أن تعداد القوات المسلحة حاليا، يزيد على المليون شخص، بمعدل رجل أمن لكل 30 مواطنا، وإذا كان معدل أفراد العائلة في العراق، ستة أشخاص، فان النسبة تصل إلى رجل أمن لكل خمس عائلات، وذلك يعد رقما قياسيا عالميا، وبالأخص إذا علمنا أن قوات الحدود لا تشكل إلا نسبة ضئيلة جدا من هذا الرقم، وان مهامها محدودة، وتنحصر ضمن مهام شرطة الحدود.
والآن.. بعد أكثر من ثماني سنوات على الغزو، ووسط جيوش مدججة حتى النخاع بأحدث أنواع الأسلحة الغربية والشرقية، يقف الجيش العراقي «الجديد» متكئا على أسلحته البسيطة التي زوده بها الأميركيون، أو حصل عليها بموافقتهم، وهي في معظمها أسلحة اقل ما يصفها الخبراء العسكريون بأنها «خردة» ولا تتناسب وتأريخ هذا الجيش، ولا بالمهام التي تناط بالجيوش في العالم، فيما كان الجيش العراقي يمتلك قبل الغزو الأميركي 3300 مدرعة، و1500 بطارية مدفعية ميدان ثقيلة من مختلف العيارات، بالإضافة إلى 250 راجمة صواريخ، وآلاف الصواريخ الموجهة المضادة للمدرعات والسفن، أما قوته الجوية فكانت في أواخر ثمانينات القرن الماضي، سادس أكبر قوة جوية في العالم، بامتلاكها أكثر من ألف طائرة، بضمنها طائرات الفانتوم الفرنسية، والسوخوي والميغ الروسية، وغيرها، ولا احد يعلم بمصير كل تلك الطائرات والأسلحة.
ولاءات حزبية
ومع الحديث عن استيراد العراق أسلحة متطورة، هناك تخوف كبير لدى بعض القيادات العراقية في هذا المجال، والتي ترى أن مهام الأسلحة الجديدة ستكون مجرد ساندة للقوات الأميركية في المنطقة، ولصالح شركات التصنيع العسكري الأميركية، كما تطرح التساؤل عن الكفاءات العسكرية التي تستخدم الأسلحة المتطورة، بعد حل الجيش السابق وتشتيت كوادره، ما يتطلب العودة من جديد إلى الضباط الأكفاء من كل الصنوف في الجيش السابق، وإعادة بناء الجيش على أسس مهنية تعتمد الكفاءة بعيداً عن الولاءات الطائفية أو الحزبية، وغيرها من الأمور التي أضعفته كثيراً، وأثارت الشكوك حول إمكانية نجاحه في ملء الفراغ بعد رحيل الأميركيين .
خدمات عامة
وبحسب الكاتب والمحلل السياسي عبدالخالق حسين فإن معظم المعارضين لفكرة تسليح الجيش العراقي ذكروا بان هناك أولويات أهم من التسلح، وعلى رأسها توفير الخدمات مثل الماء والكهرباء ومجاري الصرف الصحي والتعليم والصحة والنقل والبناء وأعمار العراق وتوفير العمل للعاطلين، فهذه الأمور لها علاقة مباشرة بحياة المواطنين، وإذا ما انتهت الحكومة من إنجازها، عندئذ يحق لها أن تفكر في تسليح الجيش، كما أن الشعب العراقي يخشى تبديد ثروات البلاد الهائلة على التسلح وعسكرة المجتمع، إلى حد قول احد المعلقين إن مجرد التفكير بالسلاح والجيش يشعره بالقرف والغثيان، وإذا ما حصل أي عدوان عليه، فان من واجب أميركا الدفاع.
سيادة وطنية
ويرى حسين انه لا يمكن وجود دولة تحترم نفسها وسيادتها الوطنية، وحريصة على مصلحة شعبها، بدون أن تكون لها قوات مسلحة تحمي حدودها من العدوان الخارجي ، وفرض حكم القانون في الداخل، فالخطأ ليس في التسلح في المستوى المعتدل المقبول والضروري، بل التطرف في التسلح المفرط وسوء استخدامه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق