23‏/01‏/2012

عندما تتضارب المصالح الوطنية مع الانتماءات الطائفية في حالة ايران

حاملة الطائرات الاميركية ابراهام لينكولن في مياه الخايج امس ترافقها الحاملة يو اس جون ستينيس


ان ما يحكم العلاقات بين الدول في نهاية المطاف هو المصالح، بالرغم من انها قد تأخذ احيانا طابعا ايديولوجيا او طائفيا او دينيا. والعالم العربي والشرق الاوسط ليس استثناءا. فقد افرزت الثورات العربية مواقف جديدة وخلقت علاقات مختلفة بين الدول والجماعات والتيارات على اختلاف اتجاهاتها. وما زالت هذه العملية مستمرة وتتضح معالمها اكثر يوما بعد آخر تبعا للاحداث والمتغيرات على الارض. لكن في ذات الوقت طالما كان الحراك الثوري في العالم العربي مستمراً وما دامت عملية النضج السياسي غير مكتملة بعد، فستظل الاعتبارات الطائفية في المستقبل المنظور تلعب دورا اساسيا في بلورة المواقف والرؤى السياسية للعديد من الجماعات.

وقد تضطر الحكومات والانظمة الى تغليب مصالحها على اي اعتبارات اخرى. وهو امر طبيعي في السياسة الدولية بل و"مقبول". لكن هذا يشكل معضلة اخلاقية بالنسبة الى الانظمة "العقائدية" وخاصة اذا كانت "اسلامية".

فعلى سبيل المثال التزمت ايران الصمت حيال قمع المسلمين الايغور في مقاطة شنغيانغ الصينية ومقتل العشرات منهم خلال اضطرابات تموز (يوليو) من عام 2009 وهو ما لفت أنظار المراقبين الذين يتابعون تصريحات الساسة الإيرانيين بشأن مناصرتهم للقضايا الإسلامية. وفسر المراقبون هذا الصمت بان ايران مرغمة على اتخاذ مثل هذا الموقف لانها لا تريد ازعاج الصين لحاجتها الى دعمها في نزاعها مع اميركا والغرب.

ويرى الكثيرون ان وقوف ايران مع النظام السوري نابع من حرصها على الحفاظ على مصالحها في المشرق العربي اكثر من علاقته بما تعتبره ايران مساندة لنظام الممانعة ضد مؤامرات الغرب واميركا.

قد تلتقي مصالح الدول والجماعات في كثير الاحيان ان لم يكن في غالبيتها مع مصالحها المذهبية والطائفية وقد لا تلتقي في احيان اخرى، بل وقد تتضارب.

فقد أثارت تصريحات أدلى بها قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني قبل يومين بشأن "حضور ايران في العراق وجنوب لبنان" وإمكانية تشكيل حكومات إسلامية في مناطق من العالم العربي، ردود افعال سياسية وشعبية جاءت من حلفاء ايران قبل خصومها، باستثناء حزب الله اللبناني الذي لم يصدر منه موقف رسمي حتى الان. وقد وضعت هذه التصريحات الجماعات الموالية لايران في موقف محرج.

وكان قائد فيلق القدس الإيراني العميد قاسم سليماني أعلن خلال ندوة تحت عنوان "الشباب والوعي الإسلامي" بحضور عدد من الشباب من البلدان العربية التي شهدت ثورات ضد أنظمة الحكم فيها أن العراق وجنوب لبنان يخضعان لإرادة طهران وأفكارها، مؤكدا إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية بإمكانها المساعدة في تنظيم أي حركة تؤدي إلى تشكيل حكومات إسلامية هناك بغية مكافحة الاستكبار، حسب تعبيره.

وتصف إيران الثورات العربية بـ"الوعي الإسلامي" او "الصحوة الاسلامية" وتشير اليها بثورات "الشرق الاوسط وشمال افريقيا" (وهو مصطلح غربي) وليس "العالم العربي" وتصر على أنها مستلهمة من "الثورة الاسلامية"، إلا إن طهران تستثنى الثورة السورية معتبرة اياها جزءاً من مؤامرة اميركية غربية ضد سوريا، واعلن الحرس الثوري اخيراً وقوفه بشكل واضح وصريح مع النظام في سوريا.

لكن السفارة الايرانية في بغداد نفت مثل هذه التصريحات اذ قال سفيرها حسن دانائي فر امس في تصريح صحافي "إن ما تناقلته وسائل الإعلام بشأن تصريح قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني لا أساس له من الصحة وتلك الإشاعات مشروع غربي الهدف منه الإساءة إلى إيران".

وهاجم التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر سليماني واعتبر تصريحاته "غير مقبولة" مؤكدا أنه لن يسمح بأي ذريعة للتدخل في شؤون العراق الداخلية.

ودانت القائمة العراقية تصريحات سليماني معتبرة ذلك تدخلا سافرا في شؤون العراق الداخلية. وقالت عضو البرلمان ميسون الدملوجي الناطقة الرسمية باسم القائمة ان مثل هذه التصريحات "تزيد إحتقان الاوضاع وخطورتها في العراق والمنطقة".

وقد أعرب قاسمي، القريب من المرشد الأعلى علي خامنئي، عن دعم ايران الكامل للنظام السوري قائلا: "الشعب السوري موالٍ للحكومة بالكامل، والمعارضة لم تستطع تنظيم تجمع مليوني واحد ضد الحكومة".

وقاسمي عين من قبل المرشد الإيراني الأعلى بعد عام 2000 قائدا لفيلق القدس، وهو مرتبط بالتيار المتشدد في ايران ومن دعاة تصدير الثورة الاسلامية وافكار ولاية الفقيه.

وفي لبنان إعتبر النائب نهاد المشنوق، في تصريح، أن كلام قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني "هو بمثابة اعلان الاحتلال الايراني لجنوب لبنان وللعراق"، و"أسف المشنوق لعدم إقدام اي شخصية من حزب الله على استنكار كلام سليماني على غرار ما فعل التيار الصدري في العراق".

من جانبه اكد عضو كتلة "القوات اللبنانية" النائب انطوان زهرا "ان التصريحات الايرانية احراج لـ"حزب الله"، مؤكدا "اننا مستمرون في نضالنا لاسقاط هذا المشروع(الايراني)".

ورأي الوزير اللبناني السابق محمد عبد الحميد بيضون ان "سياسة طهران تقوم على تمويل الميليشيات، وتساءل "هل تقبل رئاسة الجمهورية ان يصبح قاسم سليماني صاحب القرار اللبناني؟".

يأتي هذا وسط مزيد من التكدر في العلاقات بين ايران وبعض رموز المعارضة البحرينية من الشيعة. فقد اعلن الامين العام لجمعية "الوفاق" الاسبوع الماضي في حوار مع صحيفة "الوسط" البحرينية ان "مشروعنا ليبرالي وليس دينيّاً .. ونمُدُّ يدنا للجميع للتحول نحو الديمقراطية" مؤكدا ان "خليجُنا عربي محوره السعودية .. ولا نسعى إلى إقامة دولة ولاية الفقيه في البحرين". ما أشاط غضب الكثيرين في الاوساط الدينية المتشددة في ايران وازعج بعض الاطراف الشيعية البحرينية التي تؤمن بنهج ولاية الفقيه واقامة جمهورية اسلامية. وهو ما اعتبره البعض آخر مسمار في نعش ما تبقى من خيوط العلاقة بين ايران و"الوفاق".

ووصف نائب عن ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي، التصريحات بأنها "غباء سياسي".

ويرى مختصون في الشأن العراقي ان هذه التصريحات احرجت العديد من الجهات العراقية في السلطة ببغداد و"المرتبطة سرا وعلنا بايران" وقالت مصادر ان البعض من هذه الجماعات والأحزاب والشخصيات المرتبطة بايران والمموله منها ستبادر الى استنكار التصريحات للتخلص من الحرج السياسي واظهار مواقف كلامية "استقلالية".

ويأتي هذا كما يرى كثير من الساسة والمراقبين في سياق الصراع الدائر بين ايران والولايات المتحدة والتهديدات الاخيرة من جانب ايران التي تحاول ان تظهر انها قادرة على تحدي اميركا في ساحات تعتبرها من مناطق نفوذها لكسب بعض الامتيازات من الغرب في ما يتعلق ببرنامجها النووي وتخفيف حدة الضغوط والعقوبات الاقتصادية المتزايدة عليها. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق