بينة الملحم
تحاول إيران أن تحقق أهدافها ومشاريعها عبر منطق واحد هو "تحدّي العالم" ولو تذكرنا التاريخ السياسي للأنظمة التي تحدت العالم لوجدنا أنها انتهت أو ضعفت، من النظام العراقي إلى النظام الليبي. التهديدات التي أطلقت مراراً بإغلاق مضيق هرمز والتي كان آخرها على لسان:"حبيب الله سياري" وهو قائد سلاح البحرية الإيراني توضح أن المعركة تتصاعد من قبل إيران. لم تجد إيران في التفاوض أو النقاش وسيلةً لحل الأزمات التي تسبب بها النظام الإيراني بتصرفاته المتعمدة والتي تبدأ بالتدخل السياسي والاقتصادي ولا تنتهي عند دعم الحركات المسلحة، والتخطيط لاغتيال دبلوماسيين، والأنظمة التي تمر بمثل هذا التمرد يطرح علاجها بما يسمى عادةً:"تحسين السلوك".
السؤال الأساسي الذي يتبادر إلى الذهن، هل يمكن لإيران أن تغلق مضيق هرمز؟!
الكاتب الأمريكي "مارك طومسون" في مقالته بمجلة "التايم" قال محللاً المشهد أن:" التلويح بالتهديد ووضعه موضع التنفيذ شيئان مختلفان". بينما تعتبر "نيويورك تايمز" في سياق عرضها للتهديد ومآلاته من الجانب الاقتصادي اعتبرت مجرد تهديد إيران بإغلاق المضيق إنما يعبر عن "يأسٍ اقتصادي". وهذا التحليل هو الأكثر دلالةً لأن الواقع الإيراني بكل تفاصيله في الداخل يجعل النظام الإيراني في حرج، ذلك أن مبالغة النظام الإيراني الحالي في التدخل بالشؤون الخارجية جعلت الغضب الاجتماعي الداخلي يتصاعد، فبحسب صحيفة "سرماية" وهي محسوبة على التيار الإصلاحي فإن عدد الإيرانيين الذين يعيشون تحت خط الفقر وصل إلى أربعة عشر مليوناً! بينما بقية الإيرانيين يتصاعد لديهم الرفض من السياسات الخارجية التي تستنزف الميزانية الإيرانية على حساب الشأن الداخلي المهمل.
ليس سهلاً أن تغامر إيران بتنفيذ التهديد، لأن التبعات ستكون مأساوية على الاقتصاد الإيراني نفسه، حين تكون إيران أمام قرارٍ صادر من منظومةٍ دولية معينة فإن الإصرار على المكابرة ومقاومة العقوبات بالقوة بدلاً من التفاوض يجعل النظام أمام محاسبة الشعب، والنظام لم ينس بعد الاحتجاجات الكبيرة في يونيو 2009 والتي كادت أن تطيح بالنظام. إغلاق مضيق هرمز يعني اختيار القفز من مكانٍ عالٍ ربما تنجو بالصدفة لكن الحتف سيكون هو الحليف، وهذا ما قاله مسؤول في وزارة النفط الإيرانية لصحيفة "واشنطن بوست" الذي قال :"إن إغلاق هرمز انتحار اقتصادي، عائدات النفط تشكّل موردنا الوحيد، لذلك سيعني إغلاقه إطلاق رصاصة على قدمنا".
التهديدات الإيرانية التي أُطلقت خلال السنوات الخمس الماضية عديدة، من إزالة إسرائيل من الخارطة، وإلى إغلاق مضيق هرمز، وهي ربما تكون تهديداتٍ مجازية، ففي يوم الخميس 29 ديسمبر الجاري مرّت بارجتان أمريكيتان من مضيق هرمز، مما يعني أن التهديد له أهدافه الوقتية والتي لم تحدث حتى الآن بإخافة العالم، لأنها ذاهبة قدماً في ملفها النووي، ولم تستطع مفاوضة المجتمع الدولي حول ملفها بشكلٍ صريح. يمكن أن يكون التهديد بعد أيام في أرشيف الصحافة ليس إلا، مثله مثل تهديداتٍ أخرى ومحاولاتٍ إيرانية أخرى باءت بالفشل.
على المستوى التقني لا تمتلك إيران القوة الفعلية القادرة على إغلاق المضيق، لأنها تفتقر إلى السفن التي يمكنها إغلاق المضيق، فغالبية سفنها صغيرة ولا تستطيع البقاء في المياه المفتوحة في تشكيل منسّق لأيام عدة، إيران تستطيع أن تخرّب في مضيق هرمز، لكن قدرتها العسكرية والبحرية على الإغلاق غير متوفرة حالياً. إذن يمكننا أن نقرأ التهديد على أنه رسالة سياسية في إطار تحقيق المشروع النووي الإيراني ليس إلا.
لو انتحرت إيران اقتصادياً فإنّ التصاعد الشعبي الثائر ضد النظام المحافظ سيكون كبيراً، فالمناخات الإقليمية ممتلئة بطاقة الاحتجاج، ويكفي أن نذكر بالبيان الذي وقعه 42 نائباً إيرانياً عريضة تطالب الرئيس محمود أحمدي نجاد بإلغاء تعيين صهره، مهدي خورشيدي آزاد، رئيساً ل"منظمة المقاييس والمعايير الصناعية" واعتبر الموقعون على العريضة، أن آزاد البالغ من العمر ثلاثين عاماً والذي يرأس مجلس مستشاري نجاد، لا يملك خبرة مناسبة لإدارة المنظمة التابعة للرئاسة، والمكلفة تطبيق القوانين في شأن الإنتاج والتجارة، والمواد المُنتَجة في البلاد. هذه إحدى العلامات على الاحتقان الإيراني الداخلي ضد الفساد الإداري الذي يمس جوهر النظام الإيراني.
لن تستطيع إيران تنفيذ كل تهديداتها ولا نصفها، ذلك أن لغة الخطابة جزء من العمل السياسي الإيراني، لكن العمل هو الأصعب، والحصار الدولي على إيران حالياً يجعل إيران بين طريقين، إما أن تكون مع العالم من خلال التشارك والتفاوض، أو أن تكون ضده من خلال تهديد اقتصادات العالم. وهذا ما يجعل النظام الإيراني أمام تحدياتٍ دولية حقيقية، لكنه أمام مراقبة الشعب، إغلاق الضيق السياسي الإيراني الداخلي أولى من إغلاق المضيق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق