23‏/02‏/2012

الحوثيون واليمن.. هواجس مستمرة بين الطائفة الدولة


تتوجس القوى السياسية اليمنية بعد صالح من مشروع انفصالي يخايل الحوثيين بعد صالح، حيث قررت الجماعة والحزب التابع لها مقاطعة الانتخابات الرئاسية المقررة في 21 فبراير/شباط الجاري، باعتبارها مخططاً أمريكياً لإفشال الثورة اليمنية، ووصفها رئيس المكتب السياسي للحوثيين زيد الشامي بقوله: "هذه مسرحية هزلية ومحاولة أمريكية لإفشال الثورة والشرعية الثورية من خلال انتخابات غير حقيقية محسومة سلفاً وليست أكثر من بالونة إعلامية".

وكما كانت حركة الشباب المؤمن- أصل الحوثيين- جزءاً من التشيّع السياسي الإيراني في معاداة الولايات المتحدة والغرب، تندد الجماعة بما سمّته مخططات خارجية لإنهاء الشرعية الثورية، وقال: "نحن نرفض الوصاية وشرعيتنا الثورية نستمدها من الشعب اليمني وليس من السفير الأمريكي أو بقية السفراء".

يُذكر أن جماعة الحوثي التي حاولت منع الناس من المشاركة في الانتخابات الرئاسية تسيطر على معظم مناطق صعدة (شمالي البلاد) وتدير شؤونها من خلال حكام تقوم بتعيينهم من أعضائها، رغم سابق تعهّد زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي بأنه لن يمنع أحداً من المشاركة فيها! رغم مقاطعتهم لها.. ولكن حملت الأيام صدامات عديدة مع الإصلاحيين وقوى النظام في عدد من المناطق.

يمكن القول بداية إن الحوثيين يمثلون جسراً تقريبياً بين الزيدية الهادوية الأقرب للفرقة الإمامية الاثنى عشرية، وقد تلقى مؤسس الحركة وزعيم حركة الشباب المؤمن حسين الحوثي دراسات مبكّرة له في قم، بل إن الظهور الأول لحركة الشباب المؤمن كان يحمل شعارات أصولية تنتمي لقاموس الثورة الإيرانية، أكثر منها ممثلة ونابعة من مظلوميات الطائفة الزيدية في اليمن في عهد صالح.. فهي تجلٍّ للتشيع السياسي وفاعلية الإمامة وولاية الفقيه الاثنى عشرية أكثر منها حزباً يمنياً أو تعبيراً عن مظلوميات للطائفة في اليمن.

وبدأت جماعة الحوثي في الظهور منذ الشهر السادس من عام 2004، حيث تحوّل تنظيم الشباب المؤمن الذي تأسس عام 1990– أو قسم منه - إلى ميليشيات عسكرية. وقد خاض خمسة حروب مع الجيش اليمني، على مدى يزيد قليلاً على أربعة أعوام، بدءاً من 18-6-2004 حتى 17-7-2008، وقد توسّع نطاق الحرب الخامسة، حيث لم تنحصر على مناطق صعدة، كما حدث في الحروب الأربعة السابقة، بل تفجّرت في بعض المناطق ذات الولاء التقليدي للزيدية الهادوية (الجارودية)، ومن عُمق تلك المراكز (العلمية) التي أنشئت في سنوات سابقة تابعة لمنتدى تنظيم الشباب المؤمن الذي ضم عشرات الآلاف من الطلاب الزيديين الهادويين والجاروديين، في إطار نشاط جماعة الشباب المؤمن، ومنها مديرية بني حشيش إحدى أقرب مديريات محافظة صنعاء، حيث قامت بعض عناصر الحوثي بفتح جبهة جديدة هنالك، استنزفت الجيش اليمني كثيراً، ولعلّ في قدرة الحوثيين على حصار السلفيين في منطقة دماج بصعدة شهرين كاملين دليلاً على القدرة العسكرية المستمرة للحوثيين حتى الآن.

وليس أدل على ذلك، برأيي، من ممارسات الحوثيين في اليمن الجديد، ومواقفهم الأخيرة أثناء الانتخابات الرئاسية اليمنية أو ضد كل من حزب الإصلاح الإخواني أو غيرهم من الفاعلين اليمنيين الجدد.. فهل ننتظر ستة حروب جديدة كتلك التي خاضها الحوثيون منذ ظهور تنظيمهم الأول سنة 1990 في عهد صالح بعد رحيله وفي حقبة اليمن الجديد.. أسئلة تتسحق النقاش.

الحوثيون والآخرون.. هواجس متبادلة

وبالتزامن مع انطلاق الثورة الشبابية في اليمن دخل الحوثيون في مواجهات عسكرية دامية في أكثر من منطقة، فاعتبرها خصومهم محاولة للتوسع وفرض الوجود بالقوة العسكرية، بينما اعتبرها الحوثيون دفاعاً عن النفس وإثباتاً لحقٍّ مشروع في الوجود وحرية المعتقد في وجه نظام صالح، ولكن لم تكن هذه التحركات جزءاً من استراتيجية الثورة أو تنسيق مع قواها الشبابية.

وتغيرت حسابات الحوثيين - على ما يبدو - من ثورة الشباب تغيرت بعد إعلان اللواء علي محسن قائد الفرقة الأولى المدرعة انضمامه إلى الثورة، وهو الشخص الذي يعتبرونه المسؤول الأول عن الحروب التي شُنَّت ضدهم، وكذلك بعد ظهور حزب الإصلاح (الإخوان المسلمون) وأبناء الشيخ الأحمر، كوَرَثة محتملين للنظام الحاكم، وقد طالب عبدالملك الحوثي الأحمر بالاعتذار عن جرائمه بحق الحوثيين حين كان ركن النظام وعماده الرئيس قبل انشقاقه عن صالح بعد الثورة اليمنية. كما قام الحوثيون بمحاولات لمنع الجماهير في صعده ودماج وغيرهما من التصويت في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي خاضها عبدربه منصور هادي وحده ويتوقع حصوله على 10 ملايين صوت، بعد مقاطعتهم لها، وقد أعرب سعيد شمسان رئيس الدائرة السياسية للتجمع اليمني للإصلاح عضو المجلس الأعلى للمشترك عن أسفه لاستخدام القوة التي مارسها، يوم أمس، الحوثيون في صعده, وجزء من الحراك الجنوبي بحق المشاركين في الانتخابات الرئاسية المبكرة.

وقال شمسان في تصريحه للجنة الإعلامية العليا للانتخابات الرئاسية المبكرة: إن لجوء المقاطعين للانتخابات إلى استخدام القوة لمنع المشاركين من الوصول إلى صناديق الاقتراع, يعد جريمة سياسية حملت في أحشائها بذور الفشل الذي ينتاب هذه القوى جراء المشاركة الانتخابية العارمة, والتي تعد اللبنة الأولى في بناء اليمن الجديد على نحو يتجاوز المشاريع الصغيرة لتلك القوى.

ولخشية الحوثيين من سيطرة هذه القوى الثلاث على النظام في مرحلة ما بعد صالح، انتهجوا استراتيجية الضربات الخاطفة لتحقيق مكاسب سريعة وخلق واقع جديد على الأرض، منتهزين الإنهاك المتبادل لخصومهم: النظام والمعارضة. فبعد أن سقطت محافظة صعدة بأيديهم في الأيام الأولى للثورة، والتي أقاموا فيها ما يشبه الحكم الذاتي، وصل إلى تغيير مناهج التعليم في المدارس الحكومية، اتجهت أنظارهم إلى محافظة الجوف المجاورة، التي خاضوا فيها مواجهات عسكرية دامية مع القبائل الموالية لحزب الإصلاح بهدف السيطرة على مراكز القوة فيها، قبل أن تتوقف باتفاق مرحلي. ثم سعوا بعد ذلك لاستغلال حالة الانسداد بين الثورة والنظام السياسي، وانشغال القوى الرئيسية بالصراع فيما بينها، فحاولوا التوسع بالقوة العسكرية في محافظات عمران، حجة، والمحويت. ولولا المقاومة الشديدة التي وجدوها من القبائل في هذه المناطق، بدعم وتحريض من قوى داخلية وأخرى خارجية مجاورة، لكانت سقطت بأيديهم، ليصبح الحوثيون قاب قوسين أو أدنى من تحقيق حلمهم في الحصول على منفذ بحري على شاطئ البحر الأحمر.

وقبل الانتخابات الرئاسية وأثنائها اشتبك الحوثيون مع السلفييين في منطقة دماج، وفرضوا حصاراً عليهم في هذه المنطقة التي تعد جزءاً من صعدة استمر لمدة شهرين، تجددت بعد رحيل صالح بقوة كذلك، حيث كانوا يخوضون معهم اشتباكات عسكرية شبه يومية، في صراع يبدو أنه غير قابل للتسوية السلمية حتى الآن، وينذر بإمكانية انزلاق الأوضاع إلى حرب طائفية قد تتوسع إلى مناطق أخرى في اليمن.

هدف المحاصصة

ومع بداية طرح المبادرة الخليجية رفض الحوثيون هذه المبادرة التي مثلت مخرجاً من حالة الانسداد السياسي في اليمن التي كانت عالقة بين قصف النظام وقصف معارضيه والقتلى في ساحة التغيير، وكانت أسباب الحوثيين المعلنة هي أن المبادرة تمثل خيانةً لدماء الشهداء والجرحى، واستخفافاً بتضحيات الشعب اليمني، وطعنة موجعة للثوار الذين تحملوا كل أنواع المعاناة والسجن والتعذيب والقتل طوال الأشهر الماضية. إلا أن الأسباب غير المعلنة هي أن المبادرة أخرجتهم في الواقع من دائرة التأثير السياسي، ووضعتهم خارج ترتيبات المرحلة الانتقالية. لكن خصومهم يقولون إن الحوثيين هم من وضعوا أنفسهم في هذا الموضع، برفضهم أولاً الانضمام إلى المجلس الوطني الانتقالي الممثل للثورة والذي يُعد طرفاً في المبادرة، وبتبنيهم ثانياً خط الصدام العسكري مع قوى الثورة الأخرى في أكثر من موضع، بهدف تسجيل مكاسب سريعة على أرض الواقع.

ويسعى الحوثيون على المدى القصير القوة الأولى في مناطق نفوذهم السياسي إلى إرغام القوى السياسية على القبول بنظام المحاصصة كما هو حاصل في لبنان. وفي حال انهارت عرى الدولة يكونون قادرين على إعلان حكم ذاتي في المناطق التي يسيطرون عليها، لتشمل فيما بعد مناطق النفوذ التقليدية للمذهب الزيدي، ثم تكون مركز انطلاق فيما بعد للسيطرة على باقي المحافظات الشمالية في تكرار لنماذج تاريخية سابقة.

ويمكن أن تحاول قوى إقليمية الاستفادة من التوسع الحوثي، تحسباً لما يمكن أن تسفر عنه تطورات الأوضاع في سوريا، وتداعيات الانسحاب الأمريكي من العراق، وتنامي التوتر السعودي - الإيراني، فمن المحتمل أن تسعى طهران إلى الإمساك بالورقة الحوثية للضغط على المملكة، ومحاصرتها بالكيانات الشيعية، من شمالها في العراق، ومن شرقها في المنطقة الشرقية والكويت والبحرين، وكذلك من جنوبها في اليمن، فتكون بيد إيران أوراق ضغط هائلة، سواء في علاقتها مع المملكة العربية السعودية، أو مع الولايات المتحدة الأمريكية.

تناقض حوثي.. مع الثورة السلمية وطائفية مسلحة

وبناءً على ما سبق فإن الحوثيين سيتحركون للتأثير على ترتيب مرحلة ما بعد الرئيس صالح، من خلال التمسك بخيار الثورة السلمية حتى يعطوا شرعية لمطالبهم، لكنهم في نفس الوقت سيسعون إلى تشكيل قوة ثالثة، من خلال توحيد القوى الرافضة للمبادرة، ورفض طرفيها في السلطة والمعارضة، وخلق تيار ضد الجميع يتبنى شعار "يرحلون جميعاً"، والعمل على محاولة شق صف القوى الشبابية بين تلك الرافضة والمؤيدة للمبادرة، باستغلال منح الرئيس صالح ومعاونيه ضمانات بعدم المساءلة، لتعميق هذا الشق ودق إسفين بين الشباب وأحزاب المعارضة، قد يقود إلى حدوث صدامات في الساحات بين الشباب المستقل وأنصار المشترك.

وقد يعمد الحوثيون من جانب آخر إلى إثارة الخلافات والعداوات الكامنة بين طرفي المبادرة: النظام والمعارضة، باللعب على التناقضات بينهما، بهدف خلط الأوراق وإعاقة تنفيذ المبادرة. والنظام نفسه قد استغل تكتيكياً تحرك الحوثيين ليستعمله كورقة - كما فعل سابقاً - لتفتيت الثورة وتشتيت قواها.

لكنْ هناك عائق يحد من قدرة الحوثيين على التأثير بشكل كبير في مجرى الأحداث خلال المرحلة القادمة، وهو محدودية تأثيرهم السياسي والاجتماعي حتى الآن، وكونهم يضعون ثقلهم الرئيسي خلف الخيار العسكري، الأمر الذي يخيف القوى الثورية المدنية والمستقلة من حقيقة المشروع الحوثي، ومدى انسجامه مع مبدأ الدولة المدنية الديمقراطية الذي تسعى الثورة إلى تحقيقه.

ولاشك أن لهذا الوضع الحوثي تأثيراته الخطيرة على الوضع الجيوسياسي في اليمن الجديد، بطبيعته القبلية والدينية، وكذلك على المنطقة ودول الجوار حيث الصعود الطائفي الصاعد فيها وبمحاذاتها في إيران وسوريا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق