(رويترز) - ربما يمثل اقتراح رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان باقامة "منطقة
عازلة" للاجئين داخل سوريا نقطة تحول في الصراع بما يفتح المجال امام تدخل اجنبي في
الانتفاضة التي دخلت عامها الثاني.
وتخشى تركيا طرح احتمال العمل العسكري لكن تزايد اعداد القتلى وتصاعد اعداد
اللاجئين الذين يعبرون الحدود الى أراضيها -والذي وصل عددهم حتى الان الى 15 الفا
بينهم الف لاجئ خلال 24 ساعة يوم الخميس- دفعا العمل العسكري أقرب ما يكون الى حيز
التحقق. وما زالت ذكرى تدفق نصف مليون لاجئ عراقي على تركيا من العراق خلال حرب
الخليج عام 1991 حية.
وفي ظل تكهنات تتردد على نطاق واسع بتزويد دول عربية -خاصة قطر والامارات
العربية المتحدة والسعودية- للمعارضة بالسلاح سيكون اقدام تركيا على ارسال قواتها
الى داخل الاراضي السورية خطوة كبرى. وسوف تسعى انقرة للحصول على دعم دولي قوي قبل
القيام بمثل هذه الخطوة.
وربما تفضل القوات الموالية للرئيس السوري بشار الاسد الانسحاب طوعا بدلا من
مواجهة الجيش التركي لكن من المحتمل ايضا ان تبقى بعض القوات السورية لمواجهة ما
تعتبرها قوة اجنبية غازية.
ويقول انطوني سكينر محلل شؤون الشرق الاوسط في مركز مابلكروفت لاستشارات المخاطر
السياسية في بريطانيا "في حال اقامتها (المنطقة العازلة) فان ذلك قد يمثل تغييرا في
قواعد اللعبة... حماية هذه المنطقة يتطلب نشر قوات برية تركية وهذا سيكون مهما في
ما يتعلق باليات الامن بوجه عام ومن الواضح انه سيفيد المعارضة."
ورغم ان النية المعلنة لاي عملية لنشر قوات عسكرية ستكون حماية اللاجئين والسماح
بتوصيل المساعدات الانسانية فمن شبه المؤكد ان يستخدم الجيش السوري الحر المنشق هذه
المنطقة ملاذا امنا له. ومن الممكن ان تتحول الاراضي التي تسيطر عليها تركيا الى
منطقة يستغلها الجيش السوري الحر في التسلح والتدريب وربما شن هجمات على القوات
الحكومية في مناطق اخرى في سوريا.
ولم تنجح المعارضة السورية حتى الان في السيطرة على كثير من الارض وما زالت تجد
صعوبة في مواجهة آلة الحرب الحكومية التي استخدمت لدرجة مروعة خاصة في حصار اجزاء
من حمص.
ومع احجام قوى غربية من بينها الولايات المتحدة عن تجربة خططها للتدخل في سوريا
فان ان عملية عسكرية تقوم بها تركيا قد تحظى بدعم اعضاء اخرين في حلف شمال الاطلسي.
وعلى الاقل ربما تقدم القوات الامريكية المتمركزة في تركيا دعما يتعلق بالامداد
والتموين والدعم المخابراتي.
ويبدو حصول اي قوة اجنبية على تفويض الامم المتحدة بالتدخل العسكري في سوريا
امرا شبه مستحيل حيث ستعوق روسيا والصين على الارجح صدور اي قرار بهذا الشكل. ومع
دعم روسيا لحليفها الاسد بالسلاح والوقود قد تجد تركيا نفسها تحت وطأة مواجهة
متزايدة خاصة مع موسكو.
وقال يولين بارنز-دايسي المتخصص في شؤون الشرق الاوسط في المجلس الاوروبي
للعلاقات الخارجية "انقرة تتحدث عن التدخل منذ فترة طويلة لكنها اذا لم تحصل على
مشاركة دولية اوسع فسيبقى تدخلها غير متوقع.
"هناك مخاطرة اكيدة في ان يحاول الاسد مقاومة هذه الخطوة عسكريا في محاولة
لجعلها أمرا مكلفا للاتراك وغيرهم بما يردعهم عن القيام بها."
ومع ذلك فان الدرس المستفاد من الحرب في ليبيا العام الماضي ربما يتمثل في أن
الرغبة في تدخل اجنبي قد تبرز بسرعة بشكل مدهش. وقالت تونس يوم الجمعة انها لا ترى
مانعا في اقامة منطقة عازلة فيما يمكن ان يمثل تصاعدا في التأييد للفكرة في العالم
العربي.
وقال اردوغان ان مؤتمر "اصدقاء سوريا" الذي يعقد في الثاني من ابريل نيسان ويضم
دولا غربية وشرق اوسطية سيخرج "بنتيجة مختلفة تماما" عما انتهى اليه اجتماع
المجموعة السابق في تونس هذا الشهر من نتائج اعتبرت على نطاق واسع محدودة.
ورغم ان المهمة في ليبيا نفسها لم تكن سهلة يقول خبراء استراتيجيون ان اي شكل من
اشكال التدخل العسكري في سوريا سيكون اكثر تعقيدا. ولا يرجع ذلك فقط الى أن عدد
سكان سوريا أكبر من ليبيا وانما يرجع ايضا الى أن الجيش السوري اكثر تطورا عن جيش
معمر القذافي. ومن الممكن ان تؤدي الدفاعات الجوية المتطورة الى اعاقة عمل الطائرات
بدون طيار بينما ستكون الاهداف البعيدة عن الساحل صعبة الاستهداف.
وربما يكون تكرار العقوبات الصارمة والحصار الذي فرضه حلف شمال الاطلسي مما حرم
القذافي من عائد صادرات النفط امرا شبه مستحيل مع معارضة روسيا والصين.
وحتى الان تبدو قوات المعارضة السورية المسلحة اضعف كثيرا من المعارضة الليبية
المسلحة في بدايات حملتها لاسقاط القذافي والتي سيطرت على معظم الشرق الليبي بشكل
اكثر سهولة نسبيا ولم تكن تحتاج الضربات الجوية التي شنها حلف شمال الاطلسي الا في
صد القوات الحكومية واجبارها على التقهقر.
ويقول خبراء ان احد السيناريوهات المحتملة قد يكون تكرار خطة "المنطقة الامنة"
التي اقيمت في اقليم كردستان العراقي بعد حرب الخليج عام 1991. اذ تمكنت اعداد
قليلة من القوات البرية والقوة الجوية -الى جانب القوات التركية الاعتيادية- من
الحفاظ على هذه المنطقة الامنة كجيب مستقل.
وقال بارنز-دايسي المحلل في المجلس الاوروبي للعلاقات الخارجية "حتى لو اقيمت
المنطقة العازلة فلن تغير توازن القوى الاوسع فورا.
"بينما تمثل خسارة كبيرة للاسد ومنطقة محتملة لحشد المعارضة فهي لن تهدد كثيرا
سيطرته او استخدامه المتواصل للعنف في انحاء البلاد."
وبينما تطالب الاقلية الكردية في تركيا بالحكم الذاتي وتقاتل احيانا من اجل ذلك
فان تركيا ستكون الخاسر الاكبر مقارنة بدول المنطقة اذا ادت الاضطرابات في سوريا
الى فوضى اكبر واعادة لرسم الحدود في المنطقة. كما انها تخشى من أن اي مساعدات
عسكرية للجماعات الكردية داخل سوريا قد ينتهي بها المطاف باستخدامها ضد الدولة
التركية.
لكن الاثر الاكبر لاي تدخل عسكري اجنبي من الممكن ان يؤثر على النخبة الحاكمة في
سوريا نفسها. وهناك حديث بالفعل عن انشقاقات في صفوف الجيش من بينها فرار ضباط كبار
الى تركيا. واذا ترجم التدخل التركي على ان زمن الاسد يوشك على الانتهاء فربما
تصاعدت موجة الانشقاقات في صفوف جيشه.
وقال سكينر "اذا انزلقت تركيا الى الصراع بشكل مباشر فربما يكون لدى بشار الاسد
مبرر أكبر للقلق قد يدفعه لان يتحسس عنقه."
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق