خلال الأشهر القليلة الماضية، بدا أن إيران قد كثفت من اتصالها السياسي بالمتمردين (الحوثيين) وغيرهم من الشخصيات السياسية في اليمن وزادت من شحنات الأسلحة إليهم، كجزء مما يصفه مسؤولون عسكريون واستخباراتيون أميركيون بأنه جهد إيراني متنام لتوسيع نطاق نفوذ طهران في منطقة الشرق الأوسط بأكملها، وفقا لتقرير «نيويورك تايمز» أمس.
وقال مسؤول أميركي بارز، إن المهربين الإيرانيين، مدعومون من فيلق القدس، وهي وحدة عمليات دولية خاصة تابعة للحرس الثوري الإيراني ويستخدمون قوارب صغيرة لشحن بنادق كلاشنيكوف وقاذفات صاروخية محمولة «آر بي جي» وغيرها من الأسلحة لتحل محل الأسلحة القديمة التي يستعملها المتمردون. وبناء على مكالمات عبر الهاتف الجوال بين المهربين وعناصر فيلق القدس تم اعتراضها بواسطة الأميركيين، تمكنت قوات خفر السواحل اليمنية والهندية من ضبط بعض الشحنات، طبقا للمسؤول الأميركي ومسؤول هندي كبير.
وحسب التقرير حاولت إيران في وقت سابق من العام الحالي أن ترسل إلى اليمن مواد تستعمل في صنع أجهزة تفجير، تعرف باسم الأسلحة الخارقة للدروع شديدة الانفجار «إي إف بي»، بحسب مسؤول أمني يمني رفيع المستوى، وهذه المواد كانت قد أرسلت في سفن شحن خرجت من تركيا ومصر ورست في عدن.
وقال المسؤول اليمني، إن هذه الشحنة كانت في طريقها إلى بعض رجال الأعمال اليمنيين الذين ينتمون إلى المتمردين المعروفين باسم الحوثيين، قبل أن يتم اعتراضها من قبل الحكومة. وذكر مسؤولون أميركيون أن إيران سبق وأن زودت المتمردين العراقيين بنفس القنابل الفتاكة التي كانت توضع على جوانب الطرق أثناء أسوأ فترات اشتداد العنف هناك، وهو اتهام كانت إيران تصر على نفيه تماما.
وقال المسؤول اليمني من مكتبه في العاصمة صنعاء: «تحاول إيران أن تلعب دورا أكبر في اليمن حاليا».
ويتمركز المتمردون الحوثيون على طول الحدود السعودية، وقد سبق وأن خاضوا حربا قصيرة مع السعودية سنة 2009، ومن الممكن أن تستغلهم إيران كقوة تحارب بالنيابة عنها. ويقول يحيى الجفري، أحد زعماء حزب الرابطة، وهو أحد الأحزاب السياسية المستقلة في اليمن: «إيران تأمل في استغلال اليمن كورقة ضغط على السعودية وجميع البلدان في الخليج».
ونقل التقرير عن مسؤول يمني رفيع المستوى أن برينان أخبره بقصة المساعدات العسكرية الإيرانية، ولولا هذا ما كان سيجد أي سبب لتصديقها. ونقل التقرير عن عبد الله الجميلي، أحد مشايخ قبائل السنة في محافظة الجوف شمالي اليمن: «نحن حتى لم نعد نسميهم (حوثيين)، بل نشير إليهم باسم (أتباع إيران)».
وإلى جانب الأسلحة، فقد قدمت إيران المساعدة المالية والتدريب والتشجيع لعدد من الجماعات التي تظاهرت ضد حكم صالح العام الماضي، بحسب زعماء سياسيين ودبلوماسيين ومشايخ قبائل يمنيين. وفي حوار هاتفي مع «نيويورك تايمز»، قال سلطان السامع، أحد مشايخ القبائل وقائد الميليشيات في تعز: «لقد ظلمتنا السعودية، ونحن لا نمانع في الحصول على مساعدة من إيران، التي تتعاطف مع قضيتنا». وذكر الشيخ سلطان أنه سافر إلى إيران مجانا الخريف الماضي لحضور مؤتمر هناك، مع عدد كبير من الآخرين، لكنه أنكر الأنباء الشائعة في اليمن عن أنه حصل على مبالغ مالية من إيران.
وقامت إيران مؤخرا بإضافة برنامج يومي عن اليمن في قناتها التلفزيونية الناطقة بالعربية، وهي قناة «العالم»، واكتسب البرنامج شعبية كبيرة في أرجاء اليمن بسبب تبنيه خطا إعلاميا معاديا لصالح. كما تعتبر القناة معادية ضمنيا للأميركيين، مثل كل وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية الأخرى.
وعلاوة على ذلك، يبدو أن هناك تزايدا في النفوذ الإيراني بين صفوف الناشطين السياسيين اليمنيين، وخاصة من لا ينتمي إلى حزب الإصلاح الإسلامي، وبصورة أكبر بين مؤيدي الحركة الانفصالية في جنوب اليمن المعروفة باسم «الحراك الجنوبي». وقد قام فريق كبير من اليمنيين بحضور مؤتمرين عقدا في طهران في سبتمبر (أيلول) ويناير (كانون الثاني) الماضيين، بهدف ربط إيران بالثوار الذين ينتمون إلى حركات الربيع العربي. ويقول عايض قايد (28 عاما)، وهو ناشط سياسي مؤيد للحركة الانفصالية في الجنوب وسبق له أن حضر المؤتمر الذي عقد في يناير: «نحن بحاجة إلى قوة أخرى اليوم لإحداث التوازن، وأنا أرى أن هذه القوة هي إيران. إيران تؤيد الحوثيين والحراك الجنوبي».
دعم إيراني غير محدود لنظام بشار الأسد:
وقال المسؤولون الأميركيون، إن الشحنات الإيرانية لليمن عبر سيل صغير نسبيا ولكنه مطرد من البنادق الآلية وقاذفات القنابل ومواد صناعة القنابل وعدة ملايين من الدولارات نقدا، تعكس نوعية الأسلحة والتدريب التي يقدمها فيلق القدس لحكومة الرئيس السوري بشار الأسد في مواجهة الثورة السورية، كما تعكس أيضا حملة أوسع تشمل ما يقول المسؤولون الأميركيون عنه إنه مؤامرة فاشلة لاغتيال سفير السعودية لدى الولايات المتحدة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وما يبدو أنه جهد منسق من إيران للاعتداء على الدبلوماسيين الإسرائيليين في الهند وجورجيا في وقت سابق من العام الحالي. وقد أنكرت إيران وجود أي دور لها في تلك الهجمات. وصرح الجنرال جيمس ماتيس، قائد القيادة المركزية للجيش الأميركي، في جلسة استماع أمام الكونغرس الأسبوع الماضي قائلا: «إنهم يقاتلون في حرب ظل كل يوم، ويعملون بجدية من أجل إبقاء بشار الأسد في السلطة».
وأوضح أنه بالإضافة إلى الأسلحة والعدد الذي لا حصر له من مدربي فيلق القدس وعملاء الاستخبارات الإيرانيين، تقوم إيران بتزويد قوات الأمن السورية بأجهزة تنصت إلكترونية «في محاولة لمعرفة أماكن وجود جماعات المعارضة». وذكر مسؤولون استخباراتيون أميركيون أن قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، قام بزيارة العاصمة السورية دمشق أوائل يناير (كانون الثاني) الماضي، مما أثار شكوكا في أن بشار الأسد يتشاور مع إيران حول كيفية سحق الثورة.
وقال مستشار الرئيس الأميركي لشؤون مكافحة الإرهاب، جون برينان، في مقابلة أجريت معه مؤخرا: «ما نراه الآن هو جهد إيراني أشد عدوانية بكثير حتى يكون لها يد في عدد من المناطق والأنشطة المختلفة». وقد أعلنت السلطات في أذربيجان، الأربعاء الماضي، أنها ألقت القبض على 22 مواطنا من أذربيجان يشتبه في قيامهم بالتجسس لصالح الحرس الثوري الإيراني والتآمر للهجوم على سفارتي الولايات المتحدة وإسرائيل وشركة النفط البريطانية «بريتيش بتروليوم»، وذلك بحسب «رويترز»، نقلا عن وزارة الأمن القومي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق