09‏/06‏/2012

كيف تُستدرَج المواقع العسكرية السورية السرّية إلى المواجهات؟


جورج شاهين - الجمهورية
إرتفعت في الساعات القليلة الماضية وتيرة التحذيرات الدولية للبنان من التردّدات السلبية المنتظرة للأحداث السورية على ساحته، مصحوبة بالدعوة إلى الحوار للتخفيف قدر الإمكان من أسباب التشنّج التي يمكن أن تستدرج اللبنانيين إلى فتنة مذهبية. فما الدافع إلى هذه التحذيرات؟
على وقع التفاهمات الحكومية التي فكفكت العقد المتحكّمة بالملف المالي، بقيت المراجع اللبنانية المعنية ترصد بدقّة متناهية المعلومات الخارجية التي ترِد إلى بيروت عن حجم المخاطر المحيطة بالساحة اللبنانية بسبب اتّساع رقعة المواجهات في المدن والقرى السورية التي شملتها الثورة بشكل مفاجئ، خصوصاً في مناطق كانت حتى الأمس القريب بعيدة عن هول المعارك التي تدور بين الجيش النظامي والجيش السوري الحر.
وعلى رغم أجواء التفاؤل التي عكسها التفاهم على الحد الأدنى من التضامن الحكومي، والنجاح النسبي للتدابير الأمنية الاستثنائية في طرابلس، وما آلت إليه التدابير المشدّدة على الحدود اللبنانية – السورية لوقف الشكاوى من نقل الأسلحة إلى الداخل السوري، فقد توقفت المراجع المعنية أمام مضمون تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وقيادات دولية أخرى وتوقعاتها السلبية لمجريات الأحداث في سوريا وانعكاساتها المحتملة على لبنان وحده من بين دول الجوار السوري.
ويعترف مرجع أمني لبناني اطّلع على جدول مقارنة بين ما يرد من معلومات من الخارج وتلك التي استقتها الأجهزة اللبنانية بوسائل عدّة من الداخل السوري، بأنّ الوضع في لبنان يستحقّ الكثير من العناية والتنبّه إلى مشاريع إثارة الفتنة وإيقاظ ما دُفن منها في الكثير من “المناطق الحسّاسة”.
ماذا في التقارير الخارجية؟
وفي الجدول المذكور كمٌّ من المعلومات الواردة من قيادات دولية وأجهزة أمنية خارجية فيها الكثير من المعطيات السلبية الناجمة عن توسّع مناطق التوتّر في سوريا بشكل لم يكن يتوقّعه أحد، إضافة إلى معلومات تفصيلية عمّا يجري على الحدود السورية – التركية وفي أحياء العاصمة دمشق وريفها وصولاً إلى أرياف درعا، حماه، أدلب وحمص التي تجدّدت فيها محاولات التوغّل السورية تحديداً في حيّ الخالدية ومحيطه، فأحيَت كلّ السيناريوهات التي سبقت الإطباق على حي “بابا عمرو”.
والأكثر دلالة، يكمن في الإشارة إلى حجم الأسلحة المتطوّرة التي دخلت إلى “الجيش السوري الحر” ونوعيتها القتالية الفعّالة عبر المنافذ الحدودية مع تركيا.
ومن ضمنها أسلحة للاتّصال والرصد ونصب الكمائن والأفخاخ، ولمواجهة المدرّعات والأسلحة الثقيلة التي يملكها الجيش السوري ما يشلّ قدراتها في المواجهات المباشرة ومحاولات التقدّم في الجبال الوعرة.
وثمّة مَن يتحدث عن أسلحة للحدّ من قدرة الطوّافات القتالية على التدخّل في الجرود والمناطق الوعرة التي تتحكّم بالكثير من المعابر الرئيسية بين المدن والمحافظات السورية.
إلى ذلك، بنَت التقارير الدولية تقديراتها لحجم المخاطر، على ما يتعرّض إليه فريق المراقبين الدوليين من مضايقات للحدّ من قدرته على التحرّك والوصول إلى مناطق التوتر حيث تجري المعارك، وعدم تورّع السلطات السورية من التعرّض إليهم وحجب الحماية عنهم في مناطق يقال إنّها “باتت تحت سيطرة مجموعات إرهابية”. ولا يمكن بالتالي للوحدات الحكومية توفير الحماية لهم كما حصل مع الفريق الذي عجز عن الوصول إلى “مزرعة القبير” التي شهدت واحدة من أخطر المجازر بعد الحولة.
… وما لدى لبنان من معلومات!
وفي الجانب المقابل، تستقي أجهزة أمنية لبنانية الكثير من المعلومات من الداخل السوري، منها ما يشير إلى تقلّص واسع لسلطة القوّات السورية النظامية على الكثير من المناطق حتى في العاصمة دمشق، إضافة إلى فقدان السيطرة على الطرق الدولية السريعة الفاصلة بين المدن الكبرى في شمال البلاد ووسطها.
وفي المعلومات، إنّ مجموعات من الجيش السوري الحرّ باتت تتحكّم بمفاصل أساسية ومناطق شاسعة على الحدود مع تركيا، ومن الطريق الدولي بين حمص ودمشق، وقد نجح هؤلاء في تحرير الكثير من أسراهم أثناء نقلهم من سجون الشمال إلى وسط البلاد والصحراء السورية. ويقول أحد المخطوفين اللبنانيين إنّه أثناء نقله من حمص إلى دمشق، اضطرّت القوات الحكومية إلى سلوك طرق فرعية مخافة الوقوع في كمائن الطريق الدولية باعتراف العسكريين المأمورين بنقلهم.
انشقاقات تستدرج الجيش!
وفي التقارير الدولية واللبنانية، معلومات عن توسّع حركة الانشقاقات في الجيش السوري في مناطق متعدّدة من سوريا، بعد استدراجه إلى مواجهات في مناطق جديدة لم تُشِر إليها الأنباء السابقة، ومجهولة على العالم الخارجي، في ما هي مواقع للثكنات العسكرية وقواعد جوية كانت سرّية حتى الأمس القريب.
وبناءً على ما تقدّم، تقول المراجع المعنية إنّه من البديهي تقدير حجم المخاطر المترتبة على الساحة اللبنانية من جهة، والوعي المطلوب من القيادات اللبنانية من جهة أخرى لتجنّب وقوع لبنان في فخ الفتنة. وكلّ ذلك يمكن بناؤه على عناوين أساسية منها ما حَوَته مداخلة ممثل الاتحاد الأوروبي في مجلس الأمن الدولي توماس هاردنغ أمس الأول عن أنّ “عسكرة الأزمة السورية تقدّم عدم استقرار للأردن ولبنان، خصوصاً أنّ الأحداث اللبنانية الأخيرة تؤكّد إمكان انتشار الأزمة السورية على أراضيه بسرعة”.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق