03‏/08‏/2012

صنعاء تتهم طهران بإدارة أزمة اليمن انطلاقاً من بيروت

تظاهرة للحوثيين في صنعاء (رويترز)

خرجت العاصمة اليمنية صنعاء عن صمتها ازاء تدخل إيران في الشؤون الداخلية لليمن، وأكدت مخاوف يمنية حقيقية من سعي طهران المتنامي في السنوات الأخيرة لتمديد نفوذها في هذا البلد، حيث لم يعد خافياً أن طهران قدمت - وما زالت تقدم - الدعم المادي و «اللوجيستي» والإعلامي والسياسي لحركة «الحوثيين» المناوئة للحكومة في محافظة صعدة (شمال غربي اليمن)... غير أن اتهامات صنعاء إيران بدعم «الحوثيين» المتحدرين من المذهب الزيدي (الشيعي) خلال سنوات حرب صعدة التي خاضتها القوات الحكومية ضد «الحوثيين» بين عامي 2004 - 2009 لم تستند إلى أدلة تثبت تورط طهران في تلك الحرب التي انتهت جولتها السادسة بانتصار «الحوثيين» وسيطرتهم على تلك المحافظة المتاخمة للحدود اليمنية - السعودية، وتقنع بها الدول الغربية المناهضة للنفوذ الإيراني في المنطقة.
ربما لم تكن الولايات المتحدة الأميركية، ودول الاتحاد الأوروبي، ودول الجوار الخليجي مستعدة للتعاطي بجدية مع مخاوف صنعاء واتهاماتها «الخجولة» لإيران بمحاولة إنتاج «حزب الله» آخر في شمال اليمن يصبح شوكة في خاصرة دول الجوار الخليجية، ما قد يدفع بإيران إلى رد فعل مباشر في بلد مضطرب مثل اليمن، يزيد من تعقيد أوضاع المنطقة، خصوصاً أن طهران كانت تسارع إلى رفض اتهامات صنعاء وتنفيها بشدة.
خلال الأشهر الماضية وفيما كان اليمن منشغلاً بأزمته الراهنة التي دفعت بالرئيس السابق علي عبدالله صالح إلى التخلي عن السلطة وانتخاب نائبه عبد ربه منصور هادي رئيساً «توافقياً»، تمكنت طهران من توسيع نفوذها في اليمن باستقطاب موالين من شخصيات سياسية، وقبلية، ونواب يعارضون اتفاق التسوية السياسية للأزمة الراهنة، وممن لديهم مخاوف من سيطرة حزب التجمع اليمني للإصلاح (الإسلامي) الذي يتزعم تحالف أحزاب «اللقاء المشترك» على السلطة خلال الفترة الانتقالية وبعدها، إضافة إلى رفض ما يصفونه بـ «الوصاية» الأميركية على اليمن، وهؤلاء ينتمون لمحافظات معظم سكانها سنّة بما فيها المحافظات الجنوبية التي تشهد نشاطات متزايدة لجماعات «الحراك الانفصالية» التي تتهمها أحزاب «المشترك» بتلقي دعم إيراني لنشاطها المسلح ومطالبها «الانفصالية» عبر قيادات جنوبية معارضة في الخارج يأتي في مقدمها علي سالم البيض الذي تقول «أحزاب المشترك» بأنه يدير الجماعات «الانفصالية» في الداخل، ويمدها بالمال من مقر إقامته في بيروت بحماية «حزب الله» و «الحرس الثوري» الإيراني.
وفي حين اتهم الحزب الاشتراكي اليمني البيض (وهو من قيادات الحزب وأمينه العام السابق) بالسعي إلى تفكيك الحزب، وتنفيذ «أجندة» خارجية من خلال دعواته «الانفصالية»، شن خطباء المساجد ممن ينتمون لحزب «الإصلاح» حملة في خطب الجمعة الأخيرة ضد إيران وطالبوا بوقف التدخل «الفارسي» في اليمن والتصدي له بحزم.
وفي هذا السياق جاءت تصريحات الرئيس عبد ربه منصور هادي الأخيرة ضد التدخل الإيراني في اليمن قوية وواضحة، وغير مسبوقة، حيث تزامنت مطالب هادي لإيران بالكف عن التدخل في شؤون اليمن، مع إعلان وزارة الدفاع القبض على شبكة تجسس إيرانية تعمل على الأراضي اليمنية منذ سبع سنوات، وأكدت الوزارة بأن شبكة التجسس التي تم ضبطها يديرها قيادي سابق في «الحرس الثوري» الإيراني وتقوم بعمليات تجسس في اليمن ومنطقة القرن الأفريقي وتضم عناصر إيرانية ويمنية، مؤكدة بأن التحقيقات استكملت مع أعضائها وستتم إحالتهم إلى محاكمة علنية بعد شهر رمضان مباشرة.
وقال الرئيس هادي في محاضرة ألقاها أخيراً أمام طلاب الكلية الحربية في صنعاء : «كان هناك ولا يزال من يرغب بحدوث الحرب الأهلية في اليمن، ولكن الدول الشقيقة والصديقة وقفت كلها مع اليمن بعد أن أقرت بأن اليمن إذا ذهب إلى حرب أهلية سيتأثر ويؤثر في المنطقة والعالم أجمع كون موقعه الجغرافي في نقطة وصل حساسة بين الشرق والغرب وستتأثر المصالح العالمية نتيجة أي أخطار تتهدد اليمن». وأضاف الرئيس اليمني في اتهام مباشر لإيران بالتدخل في الشأن اليمني الداخلي «نأمل من أشقائنا في إيران عدم التدخل في شؤون اليمن ومراعاة الظروف الدقيقة التي يمر بها في هذا الظرف الدقيق والحساس» مؤكداً أن اليمن «لم يتدخل يوماً في شؤون أي دولة قريبة أو بعيدة، ونقول للجميع من هنا من الكلية الحربية، اتركوا اليمن وشأنه وإلى هنا وكفى».
الأزمة الصامتة
اتهامات الرئيس هادي لإيران بالتدخل في الشأن اليمني، والتي تزامنت مع إعلان وزارة الدفاع القبض على خلية تجسس، أخرجت الأزمة في العلاقات اليمنية - الإيرانية إلى العلن بعد سنوات من الأزمة الصامتة على خلفية الحروب الستة التي خاضها الجيش اليمني بين عامي 2004 - 2010 مع حركة «الحوثيين» المسلحة في محافظة صعدة (شمال غربي اليمن).
وخلال سنوات الحرب الدموية الطاحنة بين القوات الحكومية، و«الحوثيين» والتي امتدت في الحرب الخامسة إلى مناطق خارج صعدة في محافظات عمران، والجوف، وحجة، وصنعاء، لم تخف صنعاء في عهد الرئيس السابق علي عبدالله صالح شكوكها لجهة دعم إيراني لجماعة «الحوثيين»، غير أنها اقتصرت على اتهام مرجعيات «دينية» في طهران في دعم «الحوثيين» بالمال والسلاح، واتسعت دائرة الاتهامات من قبل صنعاء لتشمل «منظمات شيعية» في دول خليجية ومنها البحرين، وحزب الله في لبنان على رغم أن اتهام الأخير كان على استحياء، وهو سارع - كما فعلت الحكومة الإيرانية - - إلى نفي تلك الاتهامات جملة وتفصيلاً. وفي أكثر من مناسبة زعمت طهران أن اتهامات الحكومة اليمنية عارية من الصحة، وأكدت بأنها لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول، وتحترم خيارات الشعب اليمني، ودعت الحكومة اليمنية إلى التحاور مع «الحوثيين» بدلاً من الخيار العسكري وسفك دماء اليمنيين...
الرئيس هادي، وحكومة الوفاق الوطني يشعران بقلق غير مسبوق لجهة تدخل إيران في اليمن، بعد أن تجاوز دعم «الحوثيين» ليمتد تأثيره إلى المحافظات الجنوبية عبر جماعات «الحراك الجنوبي» التي يديرها ويحركها من بيروت، وفق أوساط يمنية، نائب الرئيس السابق علي سالم البيض وعدد من القيادات الجنوبية الموجودة خارج اليمن منذ حرب صيف 1994، حيث يتبنى البيض - الذي اختفى عن المشهد السياسي في اليمن لأكثر من 16 عاماً - مشروع انفصال الجنوب عن دولة الوحدة، وتتهمه الحكومة اليمنية وأحزاب «اللقاء المشترك» بتمويل حركة الاحتجاجات الانفصالية في الجنوب، وما يرافقها من أعمال مسلحة، وحملة تحريض بين أبناء الجنوب على الانفصال، وإقامة دولة الجنوب العربي. وهذا النشاط المعادي للدولة اليمنية يمارسه البيض من بيروت حيث يتمتع بحماية «حزب الله» اللبناني، ويتلقى - وفق المصادر الحكومية - أموالاً من طهران لتمويل المشروع الانفصالي، إضافة إلى شعور الحكومة اليمنية بأن النفوذ الإيراني في اليمن لم يعد محصوراً في الجماعات والمناطق الشيعية في شمال الشمال، وإنما بدا تأثيره واضحاً في محافظات سنّية مثل تعز، وأب، والمحافظات الجنوبية، وهو ما يعني أن إيران تتمدد في اليمن في شكل لافت، ومقلق، خصوصاً أن جماعة «الحوثيين» في محافظة صعدة لم يترددوا في الآونة الأخيرة في تأييد المطالب «الانفصالية» لجماعات «الحراك الجنوبي» المدعومة من البيض، إضافة إلى تبني دوائر إيرانية رسمية عقد مؤتمرات، وندوات في بيروت استضافت فيها المئات من الشخصيات السياسية والبرلمانية والإعلامية اليمنية لبحث مستقبل الدولة اليمنية، وكلها بتمويل إيراني مباشر وغير مباشر، وفقاً لمصادر حكومية وحزبية يمنية.
وخلال سنوات الحرب في محافظة صعدة التي سقط فيها عشرات الآلاف من اليمنيين، رفضت الولايات المتحدة الأميركية، وشركاءها الأوروبيين طلبات - ألحت فيها صنعاء - على إدراج جماعة «الحوثيين» في قوائم «الإرهاب»، خصوصاً أن «الحوثيين» يرفعون شعار (الموت لأميركا، الموت لإسرائيل)، ويتلقون الدعم المالي والعسكري من طهران. كانت واشنطن ترد على طلبات الحكومة اليمنية بأنها لا تمتلك أدلة، ولم تقدم الحكومة اليمنية ما يثبت اتهاماتها لإيران، وفي الأثناء كان صوت أحزاب المعارضة المنضوية في تحالف «اللقاء المشترك» مســـموعاً في الدوائر الديبلوماسية الأميركية والغربية في اليمن، وفي حين كانت أحزاب «المشترك» تتجنب اتهام «الحوثيين» بالتمرد المسلح على النظام، والخروج على القانون والدستور حتى لا تخدم نظام الرئيس السابق علي صالح، كانت في الوقت ذاته تصف حرب صعدة بأنها من صنع النظام، وبالعدوانية ضد أبناء صعدة، وذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك حين اتهمت الرئيس السابق بإثارة الحرب مع «الحوثيين» في صعدة، وأن اتهام إيران بالتورط في دعم «الحوثيين» يهدف إلى إثارة مخاوف دول الجوار الخليجي وواشنطن من وجود مخــطط إيراني لتوسيع نفوذ طهران في شمال اليمن، وبالتالي ابتزاز السعودية ودول الجوار الخليجية، والحصول على مزيد من الدعم السياسي الأميركي لصالح للتملص من مطالبها المشروعة لجهة إجراء إصلاحات سياسية، ودستورية، تحد من تفرد الحزب الحاكم بالسلطة وتضمن لها الشراكة الحقيقية في الحكم والثروة، وتمنع صالح من تمرير مشروع توريث نجله الحكم، وتؤدي إلى التداول السلمي للسلطة وتكافؤ الفرص في الانتخابات العامة في اليمن.
كانت القوى المعارضة لنظام الرئيس صالح تأمل في خروجه من حرب صعدة مهزوماً، وجيشه منهكاً، في حين تحيط بحكمه أزمات داخلية تراكمت، وضغوط خارجية تزايدت لجهة تنفيذ إصلاحات شاملة تستوعب مطالب المعارضة، وتحد من الفساد المالي والإداري في مفاصل الدولة، وتمكن الدولة اليمنية من فرض سيطرتها على مناطق النفوذ القبلي التي يستفيد منها تنظيم «القاعدة» في توسيع نشاطه «الإرهابي» انطلاقاً من اليمن، ومعالجة أسباب الاضطرابات التي تشهدها المحافظات الجنوبية منذ منتصف عام 2007.
كانت أحزاب المعارضة تعتقد بأن خطر «الحوثيين» ينحصر في تقويض حكم صالح، وأن تطلعاتهم في توسيع نفوذهم لن تتجاوز محافظة صعدة، وكانت ترى أن «الحوثيين» صنيعة صالح ثم انقلبوا عليه، وأن من السهل احتواءهم في إطار جبهة معارضة واسعة لنظام صالح. ومع اندلاع الاحتجاجات الشبابية، والاعتصامات الشعبية المناهضة لصالح والمطالبة برحيله، وإسقاط النظام في منتصف شباط من العام الماضي والتي أصبحت تعرف بـ «ثورة الشباب السلمية» سارعت أحزاب «اللقاء المشترك» إلى السيطرة على تلك الاحتجاجات، وسمحت لآلاف الشباب من أتباع «الحوثيين» وأنصارهم المشاركة في ساحة الاعتصام، وفي التظاهرات المناوئة لصالح، وبعد تنحي صالح عن الحكم وفقاً للمبادرة الخليجية التي أسفرت عن تســـوية سياسية للأزمة اليمنية، والتي وقعت عليها أحزاب «المشترك»، أعلن «الحوثيون» رفضهم تلك المبادرة، وطالبوا بتحقيق أهداف «الثورة» الشبابية المتمثلة في إسقاط النظام، واتهموا أحزاب «المشترك» بسرقة الثورة الشبابية، ورفض «الحوثيون» مغادرة ساحة التغيير في صنعاء التي تحولت في مرات عدة إلى ساحة مواجهة بين «الحوثيين»، وشباب حزب التجمع اليمني للإصلاح، واشتباكات بالعصي والسلاح سقط فيها عشرات الجرحى من الطرفين.
وعلى رغم أن اتهامات الرئيس هادي إيران تأتي متــزامنة مع اتهامات أطلقتها أحزاب «اللقاء المشترك» في وقت سابق ضد الرئيس السابق، وحزبه «المؤتمر الشعبي العام» بالتحالف مع جماعة «الحوثيين» وتمكينها من الانخراط في وحدات الجيش الموالية لصالح وأقاربه في إشارة إلى قوات الحرس الجمهوري التي يرأسها نجله العميد أحمد علي صالح، بهـــدف إرباك عملية التسوية السياسية للأزمة الراهنة، وخــلط الأوراق على الرئيس هادي في ظل حالة الانقـــسام القائمة في الجيش منذ منتصف العام الماضي، إلا أن هذا التطور اللافت في العلاقات اليمنية - الإيرانية من شأنه إحداث تداعيات على الصعيد الإقليمي، والدولي في المنطقة تفتح الباب أمام كل الخيارات بما فيها انضمام اليمن إلى منظومة التحالف الدولي - الإقليمي ضد إيران.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق