بعد الاتفاق الذي تم بين إسرائيل والولايات المتحدة حول تأجيل مناورات عسكرية مشتركة حتى أواخر تشرين الأول (اكتوبر)، قررت اميركا خفض مشاركتها من حيث النفقات وعدد الجنود المشاركين، وسط مخاوف من إقدام اسرائيل على ضرب منشآت ايران النووية.
قبل سبعة اشهر، اتفقت إسرائيل والولايات المتحدة على تأجيل مناورات عسكرية مشتركة ضخمة عن موعدها الأصلي، في وقت كانت المخاوف على أشدها من إقدام اسرائيل على توجيه ضربة عسكرية إلى منشآت ايران النووية.
وأصبح موعد المناورات الجديد اواخر تشرين الأول (اكتوبر)، ويبدو من المرجح إجراؤها عشية الانتخابات الرئاسية الأميركية. ولكنها لن تكون المناورات نفسها التي كان مخططا لها في البداية. وقالت مصادر مطلعة في الولايات المتحدة واسرائيل لمجلة تايم، إن واشنطن قلصت بدرجة كبيرة حجم المشاركة الأميركية في هذه التمارين وخفضت بما يربو على الثلثين عدد الجنود الأميركيين الذين سيتوجهون إلى اسرائيل للمشاركة في المناورات وكذلك عدد وفاعلية منظومات اعتراض الصواريخ التي تتمحور حولها التمارين.
وقال مسؤول عسكري إسرائيلي كبير لمجلة تايم "ان ما يقوله الأميركيون من حيث الأساس هو "نحن لا نثق بكم"".
وقال مسؤول عسكري إسرائيلي كبير لمجلة تايم "ان ما يقوله الأميركيون من حيث الأساس هو "نحن لا نثق بكم"".
ولاحظ محللون أن تخفيض المشاركة الأميركية لافت حقا. فبدلا من نحو 5000 جندي أميركي كان من المقرر ان يشاركوا في مناورات "التحدي الصارم 12"، كما تسمى التمارين المشتركة التي تُجرى سنويا، لن يرسل البنتاغون إلا 1500 جندي وربما حتى 1200 جندي. وستصل منظومات باتريوت المضادة للصواريخ إلى اسرائيل في الموعد المحدد ولكن طواقم تشغيلها لن تصل معها. وبدلا من إرسال سفينتين حربيتين للدفاع الصاروخي إلى المياه الاسرائيلية، تقضي الخطة الجديدة بإرسال سفينة واحدة رغم إضافة "ربما" حتى بشأن إرسال هذه السفينة الوحيدة، كما قال مسؤولون اميركيون واسرائيليون.
وامتنع متحدث باسم البنتاغون عن الخوض في تفاصيل محددة بشأن تخفيض المشاركة الأميركية في التمارين، مشيرا إلى ان التخطيط للتمارين معلومات مصنفة. ولكن في بيان أُرسل بالبريد الالكتروني أكدت المقدمة في سلاح البحرية الأميركية ويندي سنايدر، أن الجيش الاسرائيلي أُبلغ بهذه التغييرات "وكان التعاون وسيبقى جاريا مع الجيش الاسرائيلي في كل مراحل التخطيط والتنسيق".
وكشف قادة عسكريون أميركيون خفض حجم المشاركة الأميركية في مجالس خاصة مع نظرائهم الاسرائيليين قبل أكثر من شهرين. وكان المبرر الرسمي هو الاقتصاد في النفقات وقيود الميزانية. ولكن تقليص المشاركة الأميركية تزامن مع تصاعد حدة التوتر بين إدارة أوباما وحكومة نتنياهو بشأن تهديدات اسرائيل المستمرة بتوجيه ضربة جوية إلى ايران. والمتوقع في هذه الحالة ان ترد الجمهورية الاسلامية بضربات صاروخية إما من ترسانة صواريخها متوسطة المدى أو بواسطة وكيلها حزب الله الذي لديه اكثر من 40 ألف صاروخ مصوبة نحو اسرائيل من داخل الأراضي اللبنانية، بحسب مجلة تايم.
ويقول المحلل الاسرائيلي افرايم عنبار إن المنطق الأميركي منطق شفاف في السياق السياسي الحالي. وأضاف عنبار الذي يعمل مدير مركز بيغن -السادات للدراسات الاستراتيجية في جامعة بار ايلان، أن الأميركيين لا يريدون الإيحاء بأنهم "يعدون شيئا ما مع الاسرائيليين ضد ايران، وتلك هي الرسالة". وأضاف عنبار "اما عن الثقة فلا نحن نثق بهم ولا هم يثقون بنا. وهذا الكلام عن المفاهيم الليبرالية لا يعني شيئا! فحتى رئيس ليبرالي مثل اوباما يعرف حقيقة الأمر".
وتتسم المنظومات الأميركية المضادة للصواريخ بأهمية لأن اسرائيل في الوقت الذي حققت تقدما كبيرا في بناء دروع مضادة للصواريخ تحمي سكانها، لا تملك ما يكفي لنشرها في سائر انحاء اسرائيل، حتى بمساعدة أميركية مخصصة تحديدا لبناء مزيد من هذه الدروع فضلا عن قدرات هجومية مثل التزود بالوقود في الجو، وربما قنابل مدمرة للتحصينات تحت الأرض. ومن هنا الأهمية البالغة لوجود منظومات باتريوت المضادة للصواريخ التي نُشرت اول مرة في اسرائيل خلال حرب الخليج الأولى، عندما أطلق صدام حسين صواريخ سكاد باتجاه اسرائيل، ووجود منظومات أخرى مماثلة من أميركا في اسرائيل. وكان مساعد وزيرة الخارجية اندرو شابيرو وصف تمارين "التحدي الصارم" في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي بأنها "أكبر وأهم تمارين في التاريخ الأميركي - الاسرائيلي". وكان من أهدافها المعلنة تحسين امكانية تشغيل المنظومات الأميركية والاسرائيلية المضادة للصواريخ بصورة متبادلة وهي منظومات مترابطة اصلا. ولدى الولايات المتحدة محطة رادار في صحراء النقب في اسرائيل، مصوبة باتجاه ايران وترتبط بمنظومة "السهم" الاسرائيلية المضادة للصواريخ.
وللرادار الأميركي في اسرائيل قدرة استثنائية ويتميز بحساسية تمكنه من رصد كرة تُرمى في الهواء على بعد آلاف الأميال. ولكن الأميركيين وحدهم الذين يُسمح لهم برؤية ما يظهر على شاشة هذا الرادار، كما كشفت مجلة تايم مشيرة إلى أن هذا يشكل كابحا على أي قرار لتوجيه ضربة أحادية ضد ايران لأن الرادار الأميركي قادر على رصد الصاروخ الذي تطلقه ايران قبل أفضل رادار تملكه اسرائيل بست إلى سبع دقائق. ومع أنه من الصعب ان يتخيل المرء امتناع صانعي القرار الأميركيين عن تقديم معلومات يمكن ان تنقذ ارواح اسرائيليين بمنحهم مهلة للتوجه إلى الملاجئ أو تمكين منظوماتهم من اصطياد صواريخ شهاب -3 الايرانية، فإن مثل هذه المخاطرة المتمثلة في حجب معلومات الرادار الأميركي تؤخذ في الحسابات المعقدة للمسؤولين الاسرائيليين الذين يفكرون في مهاجمة ايران.
وفي اسرائيل نفسها كانت التقارير تتوالى عن تصميم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع ايهود باراك على توجيه ضربة، والمسؤولون الأميركيون يستمرون في الدعوة إلى ضبط النفس. ويقول محللون اسرائيليون إن نتنياهو يريد من اوباما رسالة تُلزِم الجيش الأميركي بالتحرك في موعد محدَّد إذا لم تقدم إيران تنازلات بشأن برنامجها النووي، ولكن لا يبدو أن الادارة الأميركية تتجاوب مع ما يريده. وقال رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيوش الأميركية الجنرال مارتن ديمبسي للصحافيين في لندن مؤخرا إن الضربة العسكرية يمكن أن تلحق أضرارا بقدرات ايران النووية ولكنها لن تدمرها. وأضاف "انا لا أُريد ان أكون شريكا إذا اختاروا توجيهها".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق