25‏/08‏/2011

تدخل إيران في‮ ‬المنامة‮..استفزاز احادي



يوسف البنخليل
كيف‮ ‬ينظر البحريني‮ ‬إلى طهران اليوم بعد تدخلاتها الكبيرة والتاريخية في‮ ‬شؤون المنامة،‮ ‬ودعمها أنصار ولاية الفقيه لاحتلال البحرين باسم الحرية والإصلاح والديمقراطية؟ طهران باتت مكروهة أكثر من أي‮ ‬وقت مضى في‮ ‬الداخل البحريني‮ ‬ليس بين أوساط السُنة،‮ ‬وإنما حتى لدى فئات واسعة من الشيعة الذين إما‮ ‬يرفضون تدخل طهران والمساس بعروبة البحرين،‮ ‬أو لديهم حسرة شديدة لخذلان طهران لهم بعدما قاموا به من تضحيات كبيرة في‮ ‬سبيل إقامة حكم ولاية الفقيه في‮ ‬المنامة عبر حالة الانقلاب والتأزيم التي‮ ‬قاموا بها خلال فبراير ـ مارس الماضيين‮. ‬ من الإشكاليات التي‮ ‬تواجه العلاقات البحرينية ـ الإيرانية أنها تقوم دائماً‮ ‬على مبدأ مبتكر في‮ ‬السياسة الإقليمية،‮ ‬وتكون طهران الطرف الأوحد فيه،‮ ‬هذا المبدأ هو‮ (‬الاستفزاز الأحادي‮)‬،‮ ‬ونقصد به القيام بسلسلة من الممارسات التي‮ ‬تستفز الطرف الآخر،‮ ‬وتساعد على إثارته وإرباكه،‮ ‬وفي‮ ‬نفس الوقت‮ ‬يمكن التلاعب بهذه الممارسات والتأكيد على الاحترام المتبادل‮. ‬ تعد التصريحات الإعلامية من أهم هذه الممارسات،‮ ‬فرغم سلسلة التصريحات التي‮ ‬شنها المسؤولون في‮ ‬طهران تجاه البحرين،‮ ‬إلا أن طهران تعود وتؤكد أنها تحترم النظام الحاكم في‮ ‬البحرين‮!‬ حتى نفهم تطبيق هذا المبدأ في‮ ‬العلاقات البحرينية ـ الإيرانية‮ ‬يمكن استعراض سلسلة من التصريحات التي‮ ‬أطلقها المسؤولون الإيرانيون بعد انتهاء أزمة الانقلاب واحتلال مواقع معينة من أراضي‮ ‬الدولة من قبل تيار ولاية الفقيه‮. ‬ في‮ ‬4‮ ‬أبريل الماضي‮ ‬انتقد الرئيس الإيراني‮ ‬محمود أحمدي‮ ‬نجاد الحكومة البحرينية،‮ ‬وقال‮: ''‬إنها ارتكبت عملاً‮ ‬مشيناً‮ ‬من خلال قتلها شعبها‮''. ‬ولم‮ ‬يتحدث الرئيس نفسه عن أعمال القتل التي‮ ‬جرت في‮ ‬إقليم الأحواز العربي‮ ‬على‮ ‬يد الحرس الثوري‮ ‬الإيراني‮. ‬ أيضاً‮ ‬في‮ ‬التاريخ نفسه،‮ ‬وصف رئيس لجنة الأمن القومي‮ ‬والسياسة الخارجية في‮ ‬مجلس الشورى الإيراني‮ ‬علاء الدين بروجردي‮ ‬دخول قوات درع الجزيرة بأنه‮ ''‬احتلال‮''‬،‮ ‬مطالباً‮ ‬الرياض وأبوظبي‮ ‬بسحب قواتها فوراً‮. ‬كما أكد ارتكاب المجازر ضد الأبرياء،‮ ‬وهو ما‮ ‬يتعارض مع المبادئ الإسلامية والقرارات الدولية‮.‬ لاحقاً‮ ‬قام‮ ‬200‮ ‬نائب من مجموع‮ ‬290‮ ‬نائباً‮ ‬في‮ ‬مجلس الشورى الإيراني‮ ‬بتوقيع بيان اتهموا فيه ما أسموه‮ ''‬قوات الاحتلال السعودية‮'' ‬في‮ ‬البحرين بارتكاب‮ ''‬جرائم مروعة‮''‬،‮ ‬وطالبوا بانسحاب هذه القوات‮. ‬واللافت هنا أنهم ذكروا أن‮ ''‬جميع المسلمين‮ ‬يطالبون بانسحاب القوات السعودية من البحرين‮''. ‬وهو ما‮ ‬يدفعنا إلى التساؤل حول نظرة النواب الإيرانيين إلى المسلمين،‮ ‬إذ هل‮ ‬يقتصر الإسلام على الشعب الإيراني؟ وهل الشعب السعودي‮ ‬يدين بديانة أخرى‮ ‬غير الإسلام؟ وهل‮ ‬يحق لإيران تمثيل كافة طوائف المسلمين ولديها صك إلهي‮ ‬بذلك؟ كما قام وزير الخارجية الإيراني‮ ‬علي‮ ‬أكبر صالحي‮ ‬في‮ ‬23‮ ‬أبريل الماضي،‮ ‬وكررها في‮ ‬2‮ ‬مايو الماضي‮ ‬بدعوة القيادة البحرينية إلى‮ ''‬الاعتراف بحقوق شعبها ليتمتع بالمستوى الأدنى من الحقوق المدنية قبل فوات الأوان‮''. ‬من الواضح في‮ ‬هذا الخطاب أنه‮ ‬يقوم على التهديد والأمر،‮ ‬وهو ما‮ ‬يبدو بمثابة تجربة تقوم فيها طهران بتجربة الوصاية على البحرين وردود الأفعال تجاهها‮. ‬فإيران لا‮ ‬يهمها كثيراً‮ ‬مستوى الشعب والحقوق التي‮ ‬يتمتع بها،‮ ‬بقدر ما‮ ‬يهمها استمرار امتلاكها النفوذ السياسي‮ ‬في‮ ‬المنامة‮. ‬ أما‮ ‬7‮ ‬يونيو الماضي‮ ‬فكانت محطة جديدة من سلسلة التصريحات الإيرانية الاستفزازية عندما أعلن الرئيس الإيراني‮ ‬محمود أحمدي‮ ‬نجاد عزم بلاده اقتراح‮ ''‬خطة لتسوية المشكلة في‮ ‬البحرين‮''. ‬ بعدها بنحو شهر أطلق التصريح الأخطر منذ بداية الأزمة البحرينية،‮ ‬حيث دعا رئيس مجلس صيانة الدستور الإيراني‮ ‬أحمد جنتي‮ ‬إلى‮ ''‬فتح البحرين لكي‮ ‬يحكمها الإسلام‮'' ‬في‮ ‬التاسع من‮ ‬يوليو الماضي‮. ‬هذا التصريح لخّص النظرة الإيرانية تجاه البحرين،‮ ‬فهي‮ ‬أولاً‮ ‬نظام كافر وليس نظاماً‮ ‬إسلامياً،‮ ‬كما إنها خاضعة لمسألة الاحتلال،‮ ‬سواءً‮ ‬من قبل‮ ''‬العائلة المالكة‮''‬،‮ ‬وهو ما‮ ‬يذكرنا بتشابه أطروحات أنصار ولاية الفقيه مع هذه الأطروحة‮. ‬أو من قبل‮ ''‬الاحتلال السعودي‮ ‬والإماراتي‮'' ‬على‮ ‬يد قوات درع الجزيرة‮. ‬أخيراً‮ ‬التصريح الذي‮ ‬أطلقه عضو مجلس خبراء القيادة آية الله السيد أحمد خاتمي‮ ‬في‮ ‬22‮ ‬يوليو الماضي‮ ‬عندما قال‮: ''‬الشعب‮ ‬يطالب بمطالب منطقية وهو لا‮ ‬يريد إلا أن‮ ‬يكون لكل بحريني‮ ‬صوت واحد‮''. ‬مضيفاً‮ ''‬إن النظام‮ ‬يرد على هذه المطالب بالرصاص الحي‮ ‬والتعذيب ولكنه تحت تلك الظروف‮ ‬يخاف من الناس ولهذا‮ ‬يقيم جدراناً‮ ‬عازلة أطراف القصور الحكومية‮''. ‬هنا نلاحظ كيفية التوافق في‮ ‬المطالب بين القيادات الإيرانية التي‮ ‬أكدت فكرة النظام الانتخابي‮ ‬القائم على الصوت الواحد،‮ ‬وهو مطلب رفع قبل فترة من قبل المعارضة الراديكالية في‮ ‬البحرين‮. ‬بعد هذه السلسلة من التصريحات‮ ‬يخرج علينا وزير الخارجية الإيراني،‮ ‬ويؤكد احترام طهران لسيادة البحرين وعدم التدخل في‮ ‬شؤونها الداخلية باعتباره من مبادئ السياسة الخارجية الإيرانية‮. ‬وهنا نصل لنهاية مبدأ الاستفزاز الأحادي‮ ‬السائد في‮ ‬العلاقات البحرينية ـ الإيرانية،‮ ‬وهو ما‮ ‬يتم تنفيذه ضد البحرين من قبل طهران،‮ ‬وليس من المنامة ضد إيران‮. ‬ حتى نوقف تنفيذ هذا المبدأ أعتقد من حقنا كدولة أن نستخدم المبدأ نفسه ضد طهران مادامت تعاملنا بهذه الطريقة التي‮ ‬كشفت حجم تطلعاتها في‮ ‬شعب وأرض البحرين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق