يوسف البنخليل
كيف ينظر البحريني إلى طهران اليوم بعد تدخلاتها الكبيرة والتاريخية في شؤون المنامة، ودعمها أنصار ولاية الفقيه لاحتلال البحرين باسم الحرية والإصلاح والديمقراطية؟ طهران باتت مكروهة أكثر من أي وقت مضى في الداخل البحريني ليس بين أوساط السُنة، وإنما حتى لدى فئات واسعة من الشيعة الذين إما يرفضون تدخل طهران والمساس بعروبة البحرين، أو لديهم حسرة شديدة لخذلان طهران لهم بعدما قاموا به من تضحيات كبيرة في سبيل إقامة حكم ولاية الفقيه في المنامة عبر حالة الانقلاب والتأزيم التي قاموا بها خلال فبراير ـ مارس الماضيين. من الإشكاليات التي تواجه العلاقات البحرينية ـ الإيرانية أنها تقوم دائماً على مبدأ مبتكر في السياسة الإقليمية، وتكون طهران الطرف الأوحد فيه، هذا المبدأ هو (الاستفزاز الأحادي)، ونقصد به القيام بسلسلة من الممارسات التي تستفز الطرف الآخر، وتساعد على إثارته وإرباكه، وفي نفس الوقت يمكن التلاعب بهذه الممارسات والتأكيد على الاحترام المتبادل. تعد التصريحات الإعلامية من أهم هذه الممارسات، فرغم سلسلة التصريحات التي شنها المسؤولون في طهران تجاه البحرين، إلا أن طهران تعود وتؤكد أنها تحترم النظام الحاكم في البحرين! حتى نفهم تطبيق هذا المبدأ في العلاقات البحرينية ـ الإيرانية يمكن استعراض سلسلة من التصريحات التي أطلقها المسؤولون الإيرانيون بعد انتهاء أزمة الانقلاب واحتلال مواقع معينة من أراضي الدولة من قبل تيار ولاية الفقيه. في 4 أبريل الماضي انتقد الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الحكومة البحرينية، وقال: ''إنها ارتكبت عملاً مشيناً من خلال قتلها شعبها''. ولم يتحدث الرئيس نفسه عن أعمال القتل التي جرت في إقليم الأحواز العربي على يد الحرس الثوري الإيراني. أيضاً في التاريخ نفسه، وصف رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني علاء الدين بروجردي دخول قوات درع الجزيرة بأنه ''احتلال''، مطالباً الرياض وأبوظبي بسحب قواتها فوراً. كما أكد ارتكاب المجازر ضد الأبرياء، وهو ما يتعارض مع المبادئ الإسلامية والقرارات الدولية. لاحقاً قام 200 نائب من مجموع 290 نائباً في مجلس الشورى الإيراني بتوقيع بيان اتهموا فيه ما أسموه ''قوات الاحتلال السعودية'' في البحرين بارتكاب ''جرائم مروعة''، وطالبوا بانسحاب هذه القوات. واللافت هنا أنهم ذكروا أن ''جميع المسلمين يطالبون بانسحاب القوات السعودية من البحرين''. وهو ما يدفعنا إلى التساؤل حول نظرة النواب الإيرانيين إلى المسلمين، إذ هل يقتصر الإسلام على الشعب الإيراني؟ وهل الشعب السعودي يدين بديانة أخرى غير الإسلام؟ وهل يحق لإيران تمثيل كافة طوائف المسلمين ولديها صك إلهي بذلك؟ كما قام وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي في 23 أبريل الماضي، وكررها في 2 مايو الماضي بدعوة القيادة البحرينية إلى ''الاعتراف بحقوق شعبها ليتمتع بالمستوى الأدنى من الحقوق المدنية قبل فوات الأوان''. من الواضح في هذا الخطاب أنه يقوم على التهديد والأمر، وهو ما يبدو بمثابة تجربة تقوم فيها طهران بتجربة الوصاية على البحرين وردود الأفعال تجاهها. فإيران لا يهمها كثيراً مستوى الشعب والحقوق التي يتمتع بها، بقدر ما يهمها استمرار امتلاكها النفوذ السياسي في المنامة. أما 7 يونيو الماضي فكانت محطة جديدة من سلسلة التصريحات الإيرانية الاستفزازية عندما أعلن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد عزم بلاده اقتراح ''خطة لتسوية المشكلة في البحرين''. بعدها بنحو شهر أطلق التصريح الأخطر منذ بداية الأزمة البحرينية، حيث دعا رئيس مجلس صيانة الدستور الإيراني أحمد جنتي إلى ''فتح البحرين لكي يحكمها الإسلام'' في التاسع من يوليو الماضي. هذا التصريح لخّص النظرة الإيرانية تجاه البحرين، فهي أولاً نظام كافر وليس نظاماً إسلامياً، كما إنها خاضعة لمسألة الاحتلال، سواءً من قبل ''العائلة المالكة''، وهو ما يذكرنا بتشابه أطروحات أنصار ولاية الفقيه مع هذه الأطروحة. أو من قبل ''الاحتلال السعودي والإماراتي'' على يد قوات درع الجزيرة. أخيراً التصريح الذي أطلقه عضو مجلس خبراء القيادة آية الله السيد أحمد خاتمي في 22 يوليو الماضي عندما قال: ''الشعب يطالب بمطالب منطقية وهو لا يريد إلا أن يكون لكل بحريني صوت واحد''. مضيفاً ''إن النظام يرد على هذه المطالب بالرصاص الحي والتعذيب ولكنه تحت تلك الظروف يخاف من الناس ولهذا يقيم جدراناً عازلة أطراف القصور الحكومية''. هنا نلاحظ كيفية التوافق في المطالب بين القيادات الإيرانية التي أكدت فكرة النظام الانتخابي القائم على الصوت الواحد، وهو مطلب رفع قبل فترة من قبل المعارضة الراديكالية في البحرين. بعد هذه السلسلة من التصريحات يخرج علينا وزير الخارجية الإيراني، ويؤكد احترام طهران لسيادة البحرين وعدم التدخل في شؤونها الداخلية باعتباره من مبادئ السياسة الخارجية الإيرانية. وهنا نصل لنهاية مبدأ الاستفزاز الأحادي السائد في العلاقات البحرينية ـ الإيرانية، وهو ما يتم تنفيذه ضد البحرين من قبل طهران، وليس من المنامة ضد إيران. حتى نوقف تنفيذ هذا المبدأ أعتقد من حقنا كدولة أن نستخدم المبدأ نفسه ضد طهران مادامت تعاملنا بهذه الطريقة التي كشفت حجم تطلعاتها في شعب وأرض البحرين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق