إن سياسة افتعال الضجيج الاعلامي واطلاق الشعارات الرنانة وإلقاء الخطب الدعائية التي يمارسها نظام الملالي, قد انست المدافعين عن هذا النظام ما يحمل الدستور الايراني من مواد وفقرات عنصرية وطائفية بصورة لا مثيل لها حتى في دساتير اعتى الانظمة الدكتاتورية التي شهدها العالم. و قد ساهم في هذا النسيان, الندوات والمؤتمرات المتكررة التي تعقدها سفارات النظام الإيراني كل عام و تدعو لها جوقة من المزمرين ممن تطلق عليهم تسمية مثقفين عرب ليتحدثوا عن ما يسمونه بالرؤى الحضارية في دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
وهنا نود ان نبين بعض مواد الدستور الإيراني ليتضح مدى غياب الرؤى الإنسانية و الحضارية في هذا الدستور المسمى زورا ' بالإسلامي' ونبدأ بالمادة[ 12] من الدستور الإيراني التي نصت على' أن المذهب الجعفري الأثنى عشري يبقى إلى الأبد المذهب الرسمي لإيران وغير قابل للتغير'.
فمن حق أي إنسان أن يتساءل إذا كان التشيع هو الصفة الغالبة على دين أهل البلاد الإيرانية فما هي الحاجة إلى تنصيصها في الدستور؟ إلا إذا كانت الصفة الطائفية والخصوصية القومية تعني للمشرع الإيراني وجهين لعملة واحدة. هذا مع العلم أن الرسول الأكرم [ص] عندما أقام دولته وحّكم الإسلام في الأمة لم يجعل للدولة الإسلامية مذهبا رسميا يصنف على أساسه المسلمين , فمن أين جاء حكام إيران بهذه التصنيفات الطائفية لينسبوها إلى الإسلام ؟ .
أما المادة الثانية التي نقف عندها فهي المادة [13] والتي تنص " أن الإيرانيين الزردشت 'المجوس' واليهود والمسيحيون وحدها الأقليات الدينية المعترف بها دستوريا وتتمتع بالحرية في أداء شعائرها". والسؤال هنا لماذا لم يعترف الدستور الإيراني باتباع الطائفة المندائية ' الصابئة ' الذين يبلغ عددهم أكثر من سبعين ألف, فهل عدم اعتراف الدستور الإيراني بالحقوق المشروعة لأبناء هذه الطائفة الدينية يعود لكونهم عرب حوازيين ولا توجد ورائهم دولة مثل إسرائيل تدافع عنهم كما هو حال اليهود ؟.
أما المادة [16] والتي تؤكد على تدريس مادة اللغة العربية بعد مرحلة الابتدائية والتي اعتبرها المزمرون إنها من إنجازات نظام ولاية الفقيه و أصبحوا يمنون بها على العرب, فنقول لهم إن دستور الملالي لم يأت بجديد عما كان عليه الحال في دستور الشاه بخصوص تعليم اللغة العربية حيث كان هو الآخر يقر تدريس مادة اللغة العربية بعد المرحلة الابتدائية شأنها شأن اللغة الإنجليزية فأي جديد من الرؤى الحضارية التي حملتها هذه المادة حتى أصبح يتغنى بها المزمرون للنظام الإيراني وكأنها فتح مبين ؟.
والحال أيضا بالنسبة للمادة [17] التي تنص على أن التاريخ الرسمي للبلاد هو التاريخ الهجري القمري ولكنها تستثني العمل به وتلزم الدوائر الحكومية باعتماد التاريخ الهجري الشمسي الإيراني الذي وضعه الشاعر الشعوبي عمر الخيام في القرن الثالث , وهذا التاريخ كان معمولاً به أيام نظام الشاه أيضا. فأي جديد جاءت به هذه المادة سوى أنها تلاعبت بالألفاظ حيث قدمت الأول بالقول و اعتمدت الثاني بالفعل.
أما المادة [115] والتي تتعلق برئيس الجمهورية فقد جاء بالفقرة الأولى منها مايلي : أن يكون رئيس الجمهورية إيراني الأصل ويحمل الجنسية الإيرانية, أي أن يكون من أبوين إيرانيين, : لقد بات عرفا أن الإيراني هو الفارسي والدستور الإيراني يؤكد ذلك في مادته [ 15] عندما ينص على أن تكون اللغة والكتابة الرسمية والمشتركة هي الفارسية و إلا لماذا توجب الفقرة المذكورة الأصل والجنسية دون أن تكتفي بالجنسية فقط رغم أن الإسلام ينص على دين الحاكم دون النظر إلى عنصره, كما أن المادة ذاتها [115] توجب على أن يكون رئيس الجمهورية مؤمنا ومعتقدا بالمذهب الشيعي الجعفري الرسمي للبلاد و في هذا الحال فقد قسّم هذا الدستور المواطنين الإيرانيين المسلمين إلى فئتين ، مسلم درجة أولى ومسلم درجة ثانية, لهذا صار يحق للأول بحكم مذهبه( شيعي ) أن يكون حاكما على الثاني و لا يحق للثاني( سني ) بحكم مذهبه أن يكون حاكما على الأول وان كان الاثنان إيرانيين مسلمين. علما بأن هذه المادة قد توسع شعاعها ليتم حرمان المواطن السني الإيراني من تولي منصب رئاسة البرلمان أو تولي منصب وزير في حكومات النظام الإيراني طوال العقود الثلاثة الماضية .
الوقفة الأخيرة مع المادة [121] وهي التي تحدد طريقة أداء رئيس الجمهورية لليمين الدستوري حيث توجب عليه القول التالي : أقسم بالله أن أكون حاميا للمذهب الرسمي للبلاد: وهذا القسم يدل على أن المذهب فوق الإسلام أو هو الإسلام بنسبة للمشرع الإيراني .
وهنا نسأل مرة اخرى لماذا كل هذا التأكيد على الطائفية والعنصرية في الدستور الجمهورية الإيرانية رغم إننا لم نقرئ عن الإمام علي عندما تولى الخلافة أنه أقسم على حماية مذهب بعينه أو حزب بذاته أو انه قسم المسلمين إلى درجات أولى و ثانية. إذن لماذا يفعل ذلك ممن يدعون مشايعة سيدنا علي بن ابي طالب ؟ .
ان الدستور هو المرآة التي تعكس الواجهة الحضارية للبلد , والأكثر تحضرا منه هو النظام أو الحاكم الذي يطبق بنود هذا الدستور الذي يشترط فيه أن يكون قد صيغ و وضع على أسس إنسانية بعيدة كل البعد عن روح العنصرية العرقية أو الطائفية المذهبية المقيتة. أما النظام الذي يزعم أنه إسلامي فمن الواجب عليه أن يعمل بالمفهوم القرآني الذي يقول : وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل.
ولكن من أين للنظام الإيراني أن يتعلم ذلك .؟!!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق