21‏/01‏/2012

رسالة الحرس الثوري الايراني ... هل عدم تعليق "حزب الله" على كلام سليماني يعني الموافقة عليه ؟



في حين كرر الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي تأكيده "مساندة فرنسا للبنان والدفاع عن سيادته واستقلاله"، مشدداً على انها "لن تساهم في إخضاع لبنان سواء من الداخل او الخارج"، محذرا من "أن كل من يهاجم جنديا فرنسيا سيتحمل تبعات ذلك"، قال رئيس مجلس النواب نبيه برّي إن "سياسة النأي بالنفس التي ننتهجها هي السياسة الحكيمة التي يجب أن نسلكها في هذه المرحلة، ولماذا لا نأخذ موقف الحياد الإيجابي المفيد لنا جميعًا، بعدما كنا في الماضي مختلفين أصلاً على الحياد بين فريق مؤيد وفريق معارض؟"، فيما أكد قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني(الباسدران) العميد قاسم سليماني، أن بلاده حاضرة في جنوب لبنان والعراق، وأن "هذين البلدين يخضعان في شكل أو آخر لإرادة طهران وأفكارها"، معتبراً أن "في إمكان إيران تنظيم أي حركة تؤدي إلى تشكيل حكومات إسلامية هناك بغية مكافحة الاستكبار".

وقد علقت مصادر ديبلوماسية قريبة من المعارضة على هذه المواقف مؤكدة لصحيفة "الجمهورية" أن موقف ساركوزي يندرج في سياق المواقف الدولية والإقليمية المحذرة من ضرب الاستقرار في لبنان في محاولة لتحييده عن الأزمة السورية وتداعياتها، وأن إشارته إلى رفض "إخضاع لبنان من الداخل" موجهة مباشرة إلى "حزب الله" الذي أسقط حكومة الرئيس سعد الحريري بقوة الأمر الواقع، فضلاً عن أن الدولة الفرنسية تميز بين الرئيس نجيب ميقاتي وحكومته التي أوصلها الحزب، إذ تعتبر أن ميقاتي تمكن من تنفيذ تعهداته. أما لجهة تحذيره من مهاجمة الجنود الفرنسيين، فاعتبرت المصادر نفسها أن الهدف من هذه الرسالة القول أن محاولات ترهيب فرنسا وابتزازها لن تفلح في تغيير مواقفها الداعمة للثورة السورية واستقلال لبنان.

ورأت المصادر الديبلوماسية أن موقف قائد "فيلق القدس"، وهو الرجل الأقوى في النظام الإيراني، يشكل إعلانا مباشراً أن جنوب لبنان خاضع للسلطة الإيرانية، ويؤكد "أن حزب الله إيراني التوجه والمنشأ"، ولكن الأخطر هو تهديد سليماني بتشكيل حكومة إسلامية في لبنان، أي تهديده بانقلاب سياسي يضرب الصيغة والميثاق اللبنانييّن، متسائلة عن موقفي الحكومة و"حزب الله"، بمعنى هل عدم التعليق يعني الموافقة على هذا الموقف؟".

وتوقفت المصادر عند التناقض بين كلام كل من سليماني والأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله الذي كان هاجم في إطلالته الأخيرة نظرية النأي بالنفس والكلام الأخير لرئيس مجلس النواب الذي دعا فيه، ليس فقط إلى النأي بلبنان، إنما إلى تحييده مستخدما مصطلح "التحييد الإيجابي". ولفتت إلى الإشارات المتناقضة التي تصدر عن الحزب الذي يرفض علنا الحوار في سلاحه، فيما يؤكد سراً رغبته وحسن نياته في الحوار بمعزل عن مصير النظام السوري، كاشفة أنه أبلغ الى جهات رسمية رغبة في التئام هيئة الحوار قبل سقوط الرئيس السوري.
النفوذ الايراني
غريب..حتى في عزّ انفلات الحال اللبنانية باتجاهات الحرب مع إسرائيل، وتصاعد "المواجهة" بين "حزب الله" والولايات المتحدة في السياسة والإعلام والاستخبارات... وحتى بعد الانقلاب الحكومي المحلّي، وما تستبطنه وتكشفه كل تلك المحطات الجسيمات من نفوذ (أو قرار) إيراني، لم يجرؤ مسؤول واحد في طهران على البوح بما باح به الجنرال قاسم سليماني قائد "فيلق القدس" بالأمس، وبتلك الشفافية الطنّانة، عن النفوذ التقريري الحاسم الواصل الى جنوب لبنان.

المفارقة في ذاتها تدلّ الى توتر استثنائي تشعر به القيادة الإيرانية حالياً، في ضوء تصاعد حدّة الحرب الباردة، بينها وبين العالم، في السياسة والإعلام والاستخبارات والأمن والاقتصاد وعلم النفس وعلم التكنولوجيا الحديثة.. ثم هي بعد ذلك تأتي كتتمة لاستعراض أوراق القوة التي تظهرها طهران توالياً وبوتيرة موازية لوتيرة تصاعد الضغوط والعقوبات عليها.

بدأ ذلك الاستعراض (أو استؤنف) من خلال المناورات البرية والبحرية والصاروخية التي جرت أخيراً، ثم بالتهديدات بإقفال مضيق هرمز، ثم بالتراجع عنها لكن مع ربطها بدوام ضخ النفط الإيراني (!؟) ثم بتحذير الجيران العرب من مغبّة العمل على تعبئة العجز الذي قد يتأتى جرّاء توقف ذلك النفط؟ ويُتوّج الآن بإعلان قدرات حتمية في جنوب لبنان والعراق.

واقع الحال هو أن أحداً لم يكن ينتظر ذلك الإعلان الرسمي الصاخب ليتأكد من امتداد النفوذ الإيراني من ضفاف قزوين الى ضفاف الأبيض المتوسط، لكن برغم ذلك، هناك شيء اسمه الإحراج، وذلك على ما يبدو، مُعطى لا يأخذ به الجنرال سليماني ولا القيادة الإيرانية في العموم... الإحراج الذي قد يصيب الحلفاء المعلنين وأولهم "حزب الله"، من ان قرارهم الأخير ليس في يدهم، وأن همّهم الأخير ليس لبنان، وأن مقوّمات التحالف القائمة مع طهران على أسس مذهبية (قبل أي شيء آخر) لا تلغي وجود مدوّنة سلوك واضحة: هناك من يُقرر وهناك من يُنفذّ.

والدور الثاني هنا، هو دور "حزب الله" الذي لطالما حكى وجادل وناطح سائر خلق الله من اللبنانيين في شأن مفهوم السيادة، بل وعيّرهم في ذلك، ثم سرّب ما هو أبعد من حدود هذه الجغرافيا اللغوية، من أن السيد حسن نصرالله تحديداً هو صاحب الصوت الحاسم عند القيادة الإيرانية في الشؤون العربية..واللبنانية!

الجنرال سليماني في تصريح واحد، واضح ولا يحتمل التأويل، حسم هوية صاحب القرار وحسم توظيفاته. بحيث إن أهل جنوب لبنان هم رعايا عند الجمهورية الإسلامية، ومصيرهم في يدها وليس في يدهم! وعندما تقرر هي، ويعلن قائد "فيلق القدس" القرار، ما عليهم إلا الانصياع والتنفيذ حتى لو صاروا وقوداً في معركة لا تعنيهم بالمعنى المصيري الأخير!

..تعرض القيادة الإيرانية أوراق قوتها وتفلشها أمام العالم على لسان الجنرال سليماني من طهران، وتعرض في المقابل أوراق الاستعداد للتفاوض على لسان وزير خارجيتها علي أكبر صالحي من أنقرة. وفي الحالتين تنكشف حدود المناورة وسقفها، وتكشف معها مسبّبات إحراج للحلفاء اللبنانيين، وتنكشف فوق ذلك مكامن توتر وقلق من ذهاب حائك السجّاد الواقف على حافة الهاوية، الى خطوة ناقصة تُنزله مع سجّادته الى تلك الهاوية!
وبالمناسبة هنا، إن ظهور الجنرال سليماني بهذا الشكل، هو في حدّ ذاته، جزء من استعراض طهران لأوراقها الهجومية.. عدا عن تأكيد ما يُقال منذ مدة، عن ان سليماني نفسه سيكون المنافس الأبرز على الرئاسة الإيرانية في الانتخابات المقبلة كمرشح مدعوم من المرشد الأعلى شخصياً.

.. في ذلك كله ما يكفي من دلائل "قوة وبأس" في مشروع امبراطوري نووي فضفاض، لا يحتاج في كل حال الى دماء الجنوبيين واللبنانيين وأرزاقهم لرفده بمدَدَ إضافي.


الحرس الثوري: اعلان ورسائل؟!
لم يكن ينقصنا في لبنان، سوى إعلان طهران عن تواجد الحرس الثوري الإيراني على أرض الجنوب. كما لم يكن ينقص الذين على طرفي نقيض مع حزب الله وسلاحه، غير هاجس تحكم القرار الإيراني في المسار السياسي - الأمني في لبنان، وهذا ما ينطبق على الحال الإيرانية في كل من سوريا والعراق، على رغم نفي دمشق وجود أي «حارس ثوري» كي لا يزداد طين نظام الرئيس بشار الأسد بلة، بينما لا يحتاج شيعة العراق الى نفي هذه الواقعة بعدما سبق لهم أن ربطوا مصيرهم بمصير مرجعيتهم في إيران!

ولأن أمورنا الداخلية ليست بحاجة الى أن تعترف إيران بوجودها العسكري على أرضنا، فيما يؤكد إعلان طهران ذلك بصورة رسمية ان حزب الله قد تحول تلقائياً الى ذراع سياسي - عسكري فاعل ومؤثر في حياة لبنان الأرض والشعب والمؤسسات، خصوصاً إنه لم يعد من مجال أمام أحد للقول إن «سلاح المقاومة وجد لخلق توازن رعب مع العدو الإسرائيلي».

فضلاً عن أن قرار التحكم بسلاح حزب الله مرتبط بأوامر المهمة التي تصدر إليه من إيران(...) ومن حلفاء إيران في المنطقة أي الجار السوري الذي تحول بعد التطورات المعادية لنظام الرئيس بشار الأسد الى مشارك أساسي في قمع المعارضين بمختلف الوسائل المتاحة (...)

صحيح أن العراقيين يتعاملون مع الإعتراف الإيراني بوجود «حراس من الثورة الإيرانية على أرضهم» بحسب قدراتهم السياسية والعسكرية والمذهبية. بعكس ما هو حاصل على الأرض السورية حيث تتردد معلومات منذ وقت طويل عن إقحام الإيرانيين أنفسهم في مواجهة عسكرية مفضوحة مع خصوم الرئيس الأسد، لمعرفة إيران الأكيدة إن خسارة وجودها وتأثيرها في سوريا، لابد وأن ينعكس سلباً على تأثيرها ووجودها في لبنان، وبالتالي فإن ذلك سيعطي الإنطباع بسقوط أهم ورقتي حماية ورعاية للحزب من جانب السوريين والإيرانيين، الأمر الذي يفتح الباب أمام عودة الدولة الى ممارسة دورها كدولة، حتى وإن إستمر تدفق الملايين من الأموال النظيفة»، التي سبق للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله كشف النقاب عنها بعد حرب تموز من العام 2006 ؟!

المهم من جانب حزب الله عدم تراجع تأييد إيران وسوريا، بما في ذلك تأثره بما يتعرض له نظام الأسد وشل قدرات ايران النفطية والعسكرية، فيما هناك من يجزم بأن الأهم بالنسبة الى حزب الله في هذه المرحلة عدم تقلص المداخيل المادية التي تصله من طهران، حيث تبدو مصارفاته على «الجماهير الغفورة» صعبة السداد والتأمين بمعزل عن المرجعية الإيرانية.

وبين المهم والأهم ثمة من يجزم بأن حزب الله لم يفاجأ بإعلان إيران وجود عناصر من حرسها الثوري في الجنوب، أقله كرسالة إلى خصوم الداخل والى العدو الإسرائيلي ان «المقاومة اللبنانية لن تترك لمواجهة قدرها مهما إختلف المشهد الداخلي في سوريا (...) إضافة الى استعداد إيران لخربطة الأوضاع عندنا وفي العالم العربي»، في حال استدعت ذلك حاجتها السياسية والعسكرية والإقتصادية (...) من غير أن ننسى حاجة بعض من يهمه أن يستمر تحالفه مع حزب الله مهما إختلفت وسائل رعاية الحزب ودعمه!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق