الماء يغلي في درجة المئة "حقيقة علمية"، ولكن دمشق بلغت حرارتها المئتين وبدأت بالانفجار بعد كل الكبت الذي مارسه النظام السوري على مواطنيه في عاصمته "حقيقة حتمية".
ولم يكن أمس الأحد يوماً عادياً في دمشق، فالحركة في الشوارع كسرت روتينها ووجوه وعواطف سكانها المعارضين منهم والموالين على حد سواء تغيرت، وأصبحت تحمل من الجدية والترقب ما ينبئ عن الخوف الذي لم يجد صعوبة في التسرّب بسرعة إلى النفوس، وكان من الواضح أن إحساس الغربة الذي سيطر على معظم من يعارض النظام في العاصمة بدا وكأنه يتلاشى.
ولم يكن أمس الأحد يوماً عادياً في دمشق، فالحركة في الشوارع كسرت روتينها ووجوه وعواطف سكانها المعارضين منهم والموالين على حد سواء تغيرت، وأصبحت تحمل من الجدية والترقب ما ينبئ عن الخوف الذي لم يجد صعوبة في التسرّب بسرعة إلى النفوس، وكان من الواضح أن إحساس الغربة الذي سيطر على معظم من يعارض النظام في العاصمة بدا وكأنه يتلاشى.
وتم تشييع شهداء الأحياء والمناطق الساخنة وبدأت القبضة الأمنية بالتساهل قليلاً، ولكنها يوم الأحد جاءت متراكمة متسارعة فما كان خبراً عابراً عن شهداء في الغوطة الشرقية ودوما وحرستا تحول إلى خبر رئيس بفعل قرب أصوات دوي المدافع والرصاص عن مركز المدينة.
وربما يكون البارحة من الأيام الأولى التي يبدأ سكان مدينة دمشق بذكر الجيش الحر، هذا الجيش الذي تعرفوا خلال الأشهر العشرة من عمر الثورة عليه كمسمى بعيد عنهم، تاه بين مسميات النظام له بالعصابات الإرهابية ومسميات أصحابه بأنه جيش يحمي المتظاهرين، وبذلك حافظ على علامة الاستفهام الكبيرة في ذهن معظم الذين لم يصدقوا أن ما يحدث بات قاب قوسين أو أدنى منهم في قلب العاصمة، لا بل في ساحة العباسيين الأكبر والأهم بين الساحات.
ولكن لا شك أنه وبفعل أحداث الثلاثة أيام الماضية في مناطق ومدن متداخلة مع حدود العاصمة جعلت الصورة أوضح، وصار سكان دمشق يعلمون ما معنى اجتياح مدينة ما بوجود الجيش الحر، فأزيز الرصاص وصوت القنابل التي طالما تحدث عنها نشطاء الثورة في وسائل الإعلام باتت حقيقية، وصارت أصوات الانفجارات مسموعة في معظم الأحيان ومن لم يسمعها بشكل مباشر فقد اتصل قريب له أو صديق أو زميل ليخبره عن ليلة لم يناموا فيها بسبب أصوات لم يألفوا سماعها من قبل.
أما اليوم الاثنين، فكان القلق والرعب بادياً في الوجوه والأسئلة الأكثر تداولاً بين الجيران والأقارب: "شو يعني، شو بدو يصير، معقول يوصلوا لهون؟"، وتحول الصوت الذي اعتاد الهمس في حديثه عن تأثره بما يحدث في حمص وحماة ودير الزور إلى آخر يعلو ويعلو ليصبح أقرب للمجاهرة.
أما في أماكن العمل والمقاهي فعادت أجواء النقاشات بين المعارضة والموالاة وغابت عنها الحدة والتشنج ولم يعد أحد مهتم بالتأكيد على رواية وجود عصابات أو عدم وجودها، فالشعور بالخطر وسيطرة صور المدن المنكوبة كحمص وحماة جعلت مسار النقاش يتبدل من تمترس خلف المواقع إلى نقاشات عسكرية عن التوازن والأسلحة والأعداد وقرب المناطق أو بعدها، ومن يملك معلومة -قد تكون في الأغلب- إشاعة يسارع إلى إلقائها في محاولة لتحليل الموقف، ولعل قرب إصدار مرسوم التعبئة العامة هي الإشاعة الأقوى والأكثر حضوراً، ولتنتهي معظم هذه النقاشات بالجملة الأكثر رواجاً هذا اليوم والتي تسمعها في كل مكان "الله يستر".
وعجز رجال الأمن عن إخفاء حيرتهم وخوفهم فصار كل مواطن مهما كان جنسه أو سنه مدعاة للقلق ومحط ريبة، وتنطق طريقتهم المتوترة في السؤال من أين وإلى أين عن خوف، وربما وعلى الأغلب فإن هذا اليوم أيضاً كشف فيما كشف أن رجال الأمن هؤلاء فقدوا كل الصورة الوحشية التي طالما تفاخروا بها حين وقفوا أمام السؤال:"منشان مين؟".
وتحول الخوف بالاتجاه العكسي، ليتحول رجال الأمن والجيش وشبيحتهم الواقفين لتفتيش الناس على الحواجز، من رجال بنظرات تبث الخوف في نفوس المارين إلى آخرين يهربون من النظر بعيون الناس خوفاً أو خجلاً أو ربما مساءلة للنفس.
وخرجت الفيحاء من قوقعة الخوف ولم تعد أصوات المؤيدين تستفز المشاعر كما قبل، وإنما صارت أصوات المتظاهرين في دوما وعربين وجوبر وآهات الثكالى التي وصلت من جوار العاصمة تدوي في السماء ولم يعد بمقدور أحد على ما يبدو أن يضيعها وسط هتافات "منحبك".
ووجد دوي القنابل طريقه إلى القلوب قبل الآذان وساد شعور المستيقظ من سبات عميق في دمشق أخيراً.
وربما يكون البارحة من الأيام الأولى التي يبدأ سكان مدينة دمشق بذكر الجيش الحر، هذا الجيش الذي تعرفوا خلال الأشهر العشرة من عمر الثورة عليه كمسمى بعيد عنهم، تاه بين مسميات النظام له بالعصابات الإرهابية ومسميات أصحابه بأنه جيش يحمي المتظاهرين، وبذلك حافظ على علامة الاستفهام الكبيرة في ذهن معظم الذين لم يصدقوا أن ما يحدث بات قاب قوسين أو أدنى منهم في قلب العاصمة، لا بل في ساحة العباسيين الأكبر والأهم بين الساحات.
ولكن لا شك أنه وبفعل أحداث الثلاثة أيام الماضية في مناطق ومدن متداخلة مع حدود العاصمة جعلت الصورة أوضح، وصار سكان دمشق يعلمون ما معنى اجتياح مدينة ما بوجود الجيش الحر، فأزيز الرصاص وصوت القنابل التي طالما تحدث عنها نشطاء الثورة في وسائل الإعلام باتت حقيقية، وصارت أصوات الانفجارات مسموعة في معظم الأحيان ومن لم يسمعها بشكل مباشر فقد اتصل قريب له أو صديق أو زميل ليخبره عن ليلة لم يناموا فيها بسبب أصوات لم يألفوا سماعها من قبل.
أما اليوم الاثنين، فكان القلق والرعب بادياً في الوجوه والأسئلة الأكثر تداولاً بين الجيران والأقارب: "شو يعني، شو بدو يصير، معقول يوصلوا لهون؟"، وتحول الصوت الذي اعتاد الهمس في حديثه عن تأثره بما يحدث في حمص وحماة ودير الزور إلى آخر يعلو ويعلو ليصبح أقرب للمجاهرة.
أما في أماكن العمل والمقاهي فعادت أجواء النقاشات بين المعارضة والموالاة وغابت عنها الحدة والتشنج ولم يعد أحد مهتم بالتأكيد على رواية وجود عصابات أو عدم وجودها، فالشعور بالخطر وسيطرة صور المدن المنكوبة كحمص وحماة جعلت مسار النقاش يتبدل من تمترس خلف المواقع إلى نقاشات عسكرية عن التوازن والأسلحة والأعداد وقرب المناطق أو بعدها، ومن يملك معلومة -قد تكون في الأغلب- إشاعة يسارع إلى إلقائها في محاولة لتحليل الموقف، ولعل قرب إصدار مرسوم التعبئة العامة هي الإشاعة الأقوى والأكثر حضوراً، ولتنتهي معظم هذه النقاشات بالجملة الأكثر رواجاً هذا اليوم والتي تسمعها في كل مكان "الله يستر".
وعجز رجال الأمن عن إخفاء حيرتهم وخوفهم فصار كل مواطن مهما كان جنسه أو سنه مدعاة للقلق ومحط ريبة، وتنطق طريقتهم المتوترة في السؤال من أين وإلى أين عن خوف، وربما وعلى الأغلب فإن هذا اليوم أيضاً كشف فيما كشف أن رجال الأمن هؤلاء فقدوا كل الصورة الوحشية التي طالما تفاخروا بها حين وقفوا أمام السؤال:"منشان مين؟".
وتحول الخوف بالاتجاه العكسي، ليتحول رجال الأمن والجيش وشبيحتهم الواقفين لتفتيش الناس على الحواجز، من رجال بنظرات تبث الخوف في نفوس المارين إلى آخرين يهربون من النظر بعيون الناس خوفاً أو خجلاً أو ربما مساءلة للنفس.
وخرجت الفيحاء من قوقعة الخوف ولم تعد أصوات المؤيدين تستفز المشاعر كما قبل، وإنما صارت أصوات المتظاهرين في دوما وعربين وجوبر وآهات الثكالى التي وصلت من جوار العاصمة تدوي في السماء ولم يعد بمقدور أحد على ما يبدو أن يضيعها وسط هتافات "منحبك".
ووجد دوي القنابل طريقه إلى القلوب قبل الآذان وساد شعور المستيقظ من سبات عميق في دمشق أخيراً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق