21‏/01‏/2012

هل تجر العقوبات الاقتصادية على إيران المنطقة إلى الحرب

هل تجر العقوبات الاقتصادية على إيران المنطقة إلى الحرب

تزداد الضغوط الأوروبية على إيران بهدف إجبارها على العودة إلى التفاوض حول برنامجها النووي، وتشهد المنطقة حراكاً غير مسبوق على عدة مستويات منها ثني إسرائيل عن توجيه ضربة عسكرية، والتحذير من عواقب تنفيذ طهران لتهديداتها بإغلاق مضيق هرمز في حال فرض حظر أوروبي على صادراتها النفطية، فضلاً عن سعي المستوردين الأساسيين للنفط الإيراني لتغطية احتياجاتهم في حال تطور غير متوقع للأزمة المتصاعدة منذ خريف العام الماضي، فيما تتواصل جهود ربع الساعة الأخيرة لتغليب خيار عودة الأطراف إلى مائدة التفاوض ودرء مخاطر الحرب.
اتحاد سياسي أوروبي وخلافات اقتصادية حول العقوبات
وعشية توقعات بفرض أقوى عقوبات أوروبية على إيران في 23 يناير/كانون الثاني أطلق الاتحاد الأوروبي دعوات لاستئناف التفاوض على طبيعة البرنامج النووي الإيراني لتجنب أي ضربة عسكرية، لكنه أبدى إصرارا على فرض عقوبات في المجالين المالي والنفطي لتجفيف مصادر تمويل البرنامج النووي، رغم الانقسام الحاصل في صفوف الإتحاد حول الكلفة التي قد يدفعها عدد من الدول المعتمدة أساسا على إيران بتوفير احتياجاتها النفطية وأهمها اليونان والبرتغال، إضافة إلى اعتراض دائني إيران حول كيفية استرداد ديونها في حال فرض عقوبات تحرم إيران من مصادر دخلها الرئيسة، ووقف التعامل مع المصرف المركزي والمؤسسات المالية الإيرانية.
ورغم التوجه السياسي الواضح لدى بلدان الاتحاد الأوروبي بضرورة فرض عقوبات على إيران، إلا أنه يجب عدم التخفيف من حدة الاختلافات حول توقيت فرض العقوبات، وحتى حجمها بما لا يضر ومصالح عدة دول، وأخيراً ارتباطها باستئناف المفاوضات (5+1) أو (3+3) حول البرنامج النووي الإيراني، أو تطورات الأوضاع في المنطقة، وتجنب أي رد قوي من طهران في حال فرض العقوبات ومبادرة البلدان العربية لسد النقص في المعروض النفطي.
وتستورد أوروبا نحو 600 ألف برميل يوميا من النفط الإيراني، ويبرز مسعى اليونان إلى عدم تأثير الحظر النفط عليها خصوصاً أنها تستورد أكثر من ثلث حاجتها من إيران وفق تسهيلات مالية تتيح الدفع بعد ستين يوما من دون ضمانات مادية، ومع موافقتها المبدئية تطالب أثينا القادة الأوروبيين بإيجاد بدائل في ظل الأزمة المالية الخانقة التي تعيشها، والحال لا يختلف في إيطاليا واسبانيا وإن كانتا تعتمدان في شكل أقل على النفط الإيراني، ولعب موقف هذه البلدان دورا في تعطيل الإسراع بفرض حظر ومن المتوقع أن يراعي القرار الأوروبي مطالبها ويؤخر موعد تنفيذ القرار حتى مطلع الصيف المقبل على أقل تقدير، لإعطائها فرصة للبحث عن بدائل ربما تكون في النفط الليبي، مع تسارع عملية إصلاح ما تسببت به الحرب في العام الماضي.
وتسعى ألمانيا وإيطاليا إلى أن يكون الحظر على تجميد أرصدة المصرف المركزي الإيراني جزئياً حتى يسمح بمواصلة "التجارة المشروعة" ويضمن دفع الديون الإيرانية المستحقة إذ تقدر الديون لألمانيا وحدها بنحو (2,6) مليار يورو.
الاقتصاد الإيراني يترنح والمستقبل أسوأ
تضيق أوروبا والولايات المتحدة الخناق على إيران اقتصادياً، ولا تثنيهما التحذيرات المتعددة من تبعات تشديد العقوبات على المصرف المركزي وقطاع النفط الإيراني.
وتشكك أطراف دولية فاعلة في أن هدف العقوبات هو السعي إلى تعطيل تقدم البرنامج النووي الإيراني، وإنما خنق اقتصاد الجمهورية الإسلامية وإثارة استياء الشعب فيها.
ويشير خبراء إلى أيام صعبة تنتظر الاقتصاد الإيراني في حال التوافق الأوروبي على فرض عقوبات تتضمن، إضافة إلى حظر شراء النفط الإيراني، تجميد جزئي لودائع المصرف المركزي، وحظر على بيع الذهب والماس وغيرهما من الأرصدة الثمينة، ووقف تسليم أوراق وقطع نقدية جديدة لطهران، وتوسيع الحظر القائم على الاستثمارات.
ويؤكد صف واسع من قادة الغرب أن العقوبات الأمريكية المفروضة على مبيعات النفط والمصرف المركزي بدأت تؤتي أكلها، وتوضح التقارير الاقتصادية أن العملة الإيرانية فقدت في الآونة الأخيرة أكثر من نصف قيمتها مقابل العملات الأجنبية، مع تراجع الثقة فيها وإقبال المواطنين على شراء العملات الأجنبية، وأدى ذلك إلى ازدياد معدلات التضخم في شكل كبير، وزيادة أعداد الفقراء. ويمكن أن تعاني البلاد أكثر في حال فرض الاتحاد الأوروبي حظراً كاملا على واردات النفط الإيراني وهو الذي يشكل 80 في المئة من عائدات الخزانة في إيران.
وتوجه العقوبات الأوروبية المفروضة والمقترحة ضربة قاضية للاقتصاد الإيراني المترنح أصلا بعد ست سنوات من منع الاستثمار تطوير حقول النفط والغاز. فرغم امتلاكها ثالث أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي تضطر إلى استيراد كميات أكثر مما تصدر لتلبية حاجات المنطقة الشرقية والشمالية، وتستورد كثيرا من المشتقات النفطية لتلبية حاجة السوق الداخلية، ناهيك عن تراجع انتاج النفط إلى (3,6) مليون برميل يوميا من نحو ستة ملايين في عام 1977 رغم وجود احتياطات تقدر 137 مليار برميل.
وفي حال نجاح الجهود الأمريكية وفرض الحظر الأوروبي سوف تواجه إيران نقصا كبيراً في السيولة، وتتعمق أزمات الاقتصاد ويتراجع النمو أو قد ينعدم نهائياً. ولا يستبعد خبراء ارتفاع نسبة الفقر إلى الضعفين بنهاية العام الحالي، ويقدر خبراء نسبة المواطنين الذين يعيشون حالياً تحت خط الفقر بنحو 43 في المئة.
الوسائل الغربية لوقف برنامج إيران النووي
في ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي دخلت أول حزمة عقوبات على إيران عامها السادس، وهي عقوبات أقرها مجلس الأمن الدولي بالقرار 1737 القاضي بعدم توريد المواد الخام، والمعدات والتقنيات التي يمكن أن تستخدم في تخصيب اليورانيوم الذي قد يستخدم للنشاط النووي وتزويد رؤوس للصواريخ الباليستية، إضافة إلى حظر تصدير الوسائل القتالية الى ايران، وتجميد أصول، وفرض قيود على حركة الإيرانيين المشاركين في البرنامج النووي. وطوال الفترة قادت إيران إيقاع التفاوض مع العالم بصبر وهدوء حائكي السجاد الفارسي. ورغم نجاح الغرب في وضع عراقيل أمام البرنامج النووي، إلا أنها لم تستطع إيقافه، ويرى خبراء أنه مع تعمق القناعة بعدم جدوى العقوبات وحدها لجأت جهات خارجية إلى دمجها بعمليات اغتيال للعلماء الإيرانيين ونفذت حتى الآن عشرات العمليات آخرها منذ أيام، إضافة إلى تفجيرات في مواقع إيرانية سرية، ونشر فيروسات في الحواسيب الشخصية للعلماء الإيرانيين وشبكات البحث العلمي.
الموقف الإسرائيلي
رغم التأثير الواضح للعقوبات الاقتصادية على إيران فإن أوساطا واسعة في إسرائيل تشكك في قدرة العقوبات وحدها وتدعو إلى عمل عسكري لوقف البرنامج النووي الإيراني.
ما فتئت إسرائيل تؤكد على ضرورة القيام بضربات جوية لوقف البرنامج النووي قبل فوات الأوان، ولهذا تضمن الحراك زيارة رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة مارتن ديمبسي إسرائيل لإقناع قيادتها بضرورة عدم الإقدام على تصرفات أحادية ومناقشة مختلف السيناريوهات المستقبلية.
وتشدد الصحافة الإسرائيلية على عدم كفاية العقوبات الاقتصادية وتستشهد على ذلك بأن سلاح العقوبات استخدم ضد أكثر من 45 دولة بعد الحرب العالمية الثانية، لكنه لم يفلح دون ترافقه مع ضربة عسكرية مباشرة منذ نهاية الحرب الباردة، وان بعض الأنظمة استطاعت الصمود، بل والتطور في ظل العقوبات، مثل كوبا التي واجهت عقوبات منذ 1960 واستطاع كاسترو الصمود، بل ونقل السلطة إلى أخيه، وفي ظل هذه القناعة تسعى إسرائيل إلى ضرورة دمج العقوبات الاقتصادية بنشاطات سرية وطرح الخيار العسكري.
تعويض نقص النفط الإيراني ممكن ولكن
يجول ممثلو الإدارة الأمريكية على البلدان الأسيوية لإقناعها بوقف استيراد النفط الإيراني، وتعلن السعودية وبلدان الخليج من الضفة المقابلة استعدادها لتلبية النقص في الأسواق التي تعاني أصلاً جمودا تسببه مخاوف الركود الاقتصادي بسبب الأزمتين الأمريكية والأوروبية، وتقترب ليبيا من الوصول إلى مستوى الإنتاج النفطي قبل الحرب.
وتعد إيران المصدر الثاني للنفط في منظمة "أوبك"، وتصدر عبر مضيق هرمز (1.3) مليون برميل يومياً، وتستورد الصين نحو نصف مليون برميل من النفط الإيراني، وتشتري الهند أكثر من 300 ألف برميل، فيما تعتمد اليابان على تلبية 220 ألف برميل يومياً.
وتستطيع العربية السعودية تعويض النقص في الأسواق فهي تملك فائضا إنتاجيا يقدر بنحو (2,5) مليون برميل يومياً، واستطاعت تعويض النقص الذي طرأ جراء توقف الإنتاج الليبي في العام الماضي، كما تملك الإمارات والكويت فوائض، ويبقى الخوف من إغلاق مضيق هرمز الذي يعتبر أحد أهم شرايين إمداد العالم من الطاقة فمنه يمر 17 مليون برميل نفط يوميا ما يمثل خُمس الاستهلاك العالمي، إضافة إلى شحنات الغاز المسيل القطري، ورغم أن دراسات كثيرة تقلل من مخاطر إقدام إيران على إغلاق مضيق هرمز فهي سوف تكون المتضرر الأول لأنها تصدر نصف صادراتها عن طريقه، وتستورد قسماً مهماً من المشتقات النفطية والحاجات الأساسية للبلاد، إلا أن الحسابات الجادة لا تسقط هذا الخيار في حال تردي الأوضاع الداخلية في إيران بفعل الحصار، وهو ما بدا واضحا في إصرار الرئيس الأمريكي باراك أوباما على إيصال رسالته الأخيرة عبر الرئيس العراقي، والأمم المتحدة، والسفارة السويسرية التي تمثل المصالح الأمريكية بنفس الوقت للتأكيد على جدية ادارته بشن حرب في حال أقدمت إيران على حرب إغلاق مضيق هرمز، نظرا للكلفة الباهظة التي ينطوي عليها هذا العمل واحتمالات ارتفاع أسعار النفط إلى أكثر من 200 دولار للبرميل وتأثيراته على الاقتصاد العالمي.
سامر الياس
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق