03‏/01‏/2012

الوضع في العراق بعد انسحاب القوات الأمريكية


الوضع في العراق بعد انسحاب القوات الأمريكية

يبدو امتناع نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي عن المثول أمام "القضاء العراقي العادل"، وهروبه إلى كردستان، نتيجة طبيعية للسياسة الأمريكية في هذا البلد. وتبعا لانسحاب القوات الأمريكية من العراق ترتفع حدة التوتر كما يدل على ذلك ازدياد النشاط الإرهابي ووقوع عدد كبير من الضحايا. ومنذ زمن بعيد لم يعد هذا الأمر من صنع تنظيم القاعدة سيئ الصيت، بل هو نتيجة جلية تماما للصراع السني الشيعي على السلطة. وهو، فضلا عن ذلك ، نتيجة منطقية لأصداء القصة القديمة، عندما لم يسمح لقائمة أياد علاوي الفائزة في الانتخابات باستلام السلطة، ما فوت فرصة نادرة للوصول إلى تطبيع شامل للوضع في البلاد.
وتبدو القيادة العراقية منجرفة بشدة باتجاه طهران. ومما يؤكد ذلك أن الحكومة العراقية اتخذت في الآونة الأخيرة قرارا رسميا باغلاق كافة معسكرات منظمة "مجاهدي خلق" الإيرانية المعارضة على الأراضي العراقية، وبالدرجة الأولى معسكر "أشرف". ومن الجدر بالذكر هنا أن الوضع القانوني لهذا المعسكر يخضع لأحكام مذكرة التفاهم الموقعة بين السلطات الأمريكية والعراقية في عام 2009 ، والتي ضمَّنها الطرف الأمريكي شروطاً خاصة لصالح حلفائه بعد انسحابه من العراق. وتعهدت السلطات العراقية وفق تلك الاتفاقية بعدم تسليم أعضاء المنظمة للسلطات الإيرانية، والتعامل معهم بإنسانية وفقاً للمعاهدات الدولية. ويمكن تفسير هذه الرعاية الأمريكية بكل بساطة بأن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية استخدمت أعضاء منظمة "مجاهدي خلق" الإيرانية بشكل نشيط في عمليات استخباراتية ضد ايران. ويؤكد خبراء ، على وجه الخصوص، مسؤولية منظمة "مجاهدي خلق" المباشرة عن تصفية مجموعة من علماء الذرة الإيرانيين. وبالإضافة إلى ذلك، فإن استخدام الاستخبارات الأمريكية أعضاء من "مجاهدي خلق" في عمليات لصالحها ضمن العراق، هو ما أثار كراهية بعض قادة الشيعة العراقيين لهذه المنظمة. وأكثر ما أثار هذه الكراهية قيام مقاتلي المنظمة الإيرانيين باختطاف أعضاء من المجموعات الشيعية، ومنهم أنصار لمقتدى الصدر، تمت تصفيتهم فيما بعد، أو احتجزوا في معسكر "أشرف" وخضعوا للتحقيق بهدف انتزاع معلومات منهم.
وفي بيان جديد بشأن هذه المسألة تؤكد بغداد التزامها بالاتفاقيات المعقودة، ولكن مع تحفظات كبيرة. وأول هذه التحفظات أن "مجاهدي خلق" منظمة إرهابية مع كل ما يترتب على هذا التصنيف. أما الموجودون في المعسكر فلا تعتبرهم بغداد لاجئين، بل قد تعامل كلا منهم معاملة فردية. ويمكن القول إن العراقيين يحق لهم الآن اعتقال أعضاء التنظيم بهذه التهمة الجنائية أو تلك. كما طفت على السطح وقائع تشير إلى تعاون وثيق بين قادة التنظيم وأجهزة استخبارات صدام حسين، ما سيخضع الآن لتحقيق دقيق. وهكذا نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية ستفقد قاعدتها الاستخباراتية والتخريبية في العراق، ما سينعكس سلبا على نشاطها الاستخباراتي المتعلق بالشأن الإيراني. ومن الطبيعي أنه سيتم نقل مقر منظمة "مجاهدي خلق" إلى كردستان العراق، الذي من الواضح جدا أنه يتحول إلى دولة داخل دولة. ولذلك من الضروري استخلاص العبرة الأساسية والرئيسية من "الملحمة العراقية". إن الولايات المتحدة الأمريكية ، وبعد أن هدرت مليارات الدولارات، وتكبدت خسائر بشرية تقدر بالآلاف ، حصلت على نظام غير موال لها مطلقا، تتحالف معه طهران التي تتصف بموقف ابعد ما يكون عن موالاة واشنطن. إن الولايات المتحدة تخسر المعركة الدائرة الآن للسيطرة على العراق، الأمر الذي يساعد ايران جدا في الصمود بوجه الضغوط التي تمارسها عليها واشنطن وحلفائها. والأكثر من ذلك ان العراق يلعب دوراً رئيسياً الآن في دعم النظام السوري، الذي يتلقى الإمدادات الأساسية عبر الحدود العراقية.
ويشكل العراق بؤرة توتر محتملة، فمن غير المعقول أن يبقى حوالي 50% من سكان البلاد (أي السنة بمن فيهم الأكراد) ينظرون بهدوء إلى تزايد النفوذ الشيعي في البلاد. هذا بالإضافة الى أن الأكراد بدأوا ينعزلون، ويتحدثون بقوة عن دولتهم المستقلة. وثمة بؤرة توتر أخرى محتملة في كركوك، حيث يرفض الشيعة تسليمها للأكراد دون قتال. وفي الختام يمكن التطرق لتهديدات طهران بإغلاق مضيق هرمز. نعتقد أن ذلك لا يغدو ذلك كونه خطابا فارغا، فطهران لا تريد بحال من الأحوال الدخول في نزاع مفتوح مع الأمريكيين، لأن النتيجة معروفة سلفاً. إن مصلحة الإيرانيين تتلخص بكسب الوقت قدر الإمكان حتى يتسنى لهم الاقتراب من تحقيق هدفهم الأساسي، أي الحصول على السلاح النووي.
الكاتب: يوري شيغلوفين. موقع معهد الشرق الأوسط

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق