30‏/04‏/2012

ماذا بعد زيارة أحمدي نجاد وتسمية "الخليج الفارسي"؟

أحمدي نجاد يزور جزيرة أبو موسى يوم 11 أبريل/نيسان عام 2012

بعد زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد المثيرة للجدل، إلى الجزر الإماراتية الثلاث المتنازع عليها، اتخذت إيران خطوة مفاجئة أخرى تمثلت باعتبار الـ 30 من أبريل/ نيسان من كل عام عيداً وطنياً لـ"الخليج الفارسي"، ما اعتبرته الأوساط الخليجية مناسبة جديدة للتدليل على المطامع الإيرانية بالأرض العربية، بدءاً من الجزر المحتلة (طنب الكبرى، طنب الصغرى وأبو موسى)، مروراً بالبحرين ومناطق أخرى. وهذان الحدثان الجديدان سيزيدان، حسب المراقبين، من حالة الحذر والجفاء والحرب الباردة القائمة بين دول الخليج والجمهورية الإسلامية الإيرانية، ناهيك عن سباق التسلح المستمر منذ أعوام، وهو الذي لم تعرف المنطقة مثيلاً له من قبل.
لا مساومة على عروبة الجزر
وبعيداً عن التصريحات الإيرانية الأخيرة وإعلان الثلاثين من أبريل/ نيسان يوماً وطنياً للاحتفال بـ "الخليج الفارسي" ثمة خلاف مستحكم بين الإمارات وإيران على السيادة على جزر ثلاث تحتلها إيران منذ العام 1971 وهي: "أبو موسى، طنب الصغرى وطنب الكبرى". وترفض الإمارات، وبإصرار، أية مساومة إيرانية حول عروبة هذه الجزر، أو أي مساع لإدخالها في إطار ما عرف بصفقة شاملة في الخليج السفلي، وذلك عندما طرح الإيرانيون فكرة تخليهم عن مطامعهم السابقة في البحرين مقابل حصولهم على جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى وصري الإماراتية. بل ان حاكم الشارقة السابق قد بذل قصارى جهده لتعزيز الوجود والهوية العربية لجزيرة أبو موسى كما أثبتت ذلك الوثائق البريطانية. كما أن حاكمي كل من إمارة الشارقة ورأس الخيمة رفضا كذلك التعديل الذي اقترحته بريطانيا على هذه الصفقة الشاملة المزعومة والذي قضى برسم خط الوسط البحري بحيث تصبح جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وصري تابعة لإيران وتكون جزيرة أبو موسى تابعة لإمارة الشارقة.
ألف ساكن فقط
ويدلنا التاريخ القريب على أن اتفاقاً موقعاً بين الشارقة وإيران في نوفمبر/تشرين الثاني 1971 على هوية جزيرة أبو موسى نص على أنه لن تتخلى كل من إيران والشارقة عن المطالبة بـ "أبو موسى" ولن تعترف أي منهما بمطالب الأخرى.
وجاء الاتفاق عشية قيام دولة الإمارات العربية المتحدة في مفاوضات مستفيضة بين الشارقة وإيران برعاية بريطانيا التي كانت تربطها بإمارات ساحل عمان المتصالحة "معاهدة التزامات" نصت على حماية هذه الإمارات وجزرها. وانتهت المفاوضات التي حضرها عن الجانب الإنجليزي وليام ولوس، ممثلا لوزير الخارجية اليك دوجلاس هيوم، بأن أرسل حاكم الشارقة الشيخ خالد بن محمد القاسمي رسالة إلى هيوم بتاريخ 18 نوفمبر/تشرين الثاني 1971 تحدد الشروط التي قبلها في شأن الجزيرة المتنازع عليها. وأرسل هيوم رسالة عن الموضوع إلى وزير خارجية إيران، وقتها، عباس خلعتبري في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني فرد عليه الوزير الإيراني بالقبول في اليوم التالي، وأرسل هيوم إلى الشيخ خالد في 26 من الشهر نفسه رسالة أبلغه فيها قبول إيران الاتفاق الذي ساعدت بريطانيا على وضعه.
ويقول الإماراتيون إن الجزيرة (أربعة كيلومترات مربعة وأقل من ألف ساكن من عرب وإيرانيين) عربية وتابعة للشارقة تاريخياً، وذلك استناداً إلى أنه لم يسكنها يوما سوى مواطنين من الشارقة، ففيها بين 750 و800 مواطن أكثرهم يعملون في صيد الأسماك مع قليلين يتاجرون مع إيران نفسها. أما الوجود الإيراني في الجزيرة فلم يكن يوماً إلا عسكرياً. ورغم أن الجزيرة مقسومة بين الشارقة وإيران بالتساوي تقريباً غير أن دخول الجزيرة ممكن فقط عن طريق مرفأ عسكري إيراني (لأن الشارقة ودولة الإمارات بعدها لم تبنِ مرفأً خاصاً بها) ربما كان أساس المشكلة. فقد فاجأت إيران في بداية السنة الإماراتيين بطلب تصاريح أمنية لدخول المرفأ، ثم طالبت بتأشيرات لغير الإماراتيين، وخشيت الإمارات إن هي قبلت الطلب الإيراني أن يكون القبول اعترافاً ضمنياً بالسيادة الإيرانية فرفضت ذلك.
وتذرعت إيران بأسباب الأمن للبقاء في الجزيرة، وهي فعلا تعتبرها موقعاً استراتيجياً مهماً، وقد انطلقت منها قوارب مسلحة خلال الحرب الطويلة مع العراق لمهاجمة ناقلات النفط. لكن المراقبين العرب في المنطقة يقولون إن الأمن لا يعطي إيران أو غيرها حق فرض سلطتها على أراض متنازع عليها أو احتلالها وعندما منع الإيرانيون في أبريل/ نيسان من العام الماضي دخول الأجانب، دارت مفاوضات انتهت باستثناء المعلمين فهناك مدرسة للإمارات في الجزيرة تضم حوالي 250 تلميذا غير أن إيران منعت دخول المعلمين (الأجانب) مع البقية فكان أن المدرسة لم تفتح أبوابها. واليوم وبعد ما يزيد على أربعين عاماً على احتلال الجزر لا تزال دولة الإمارات تسعى عبر المحافل الدولية إلى حل القضية بالطرق السلمية، ولا تكف عن التأكيد على عروبة الجزر.
العراق والحرب بالوكالة
ولا تعود جذور الفصول الجديدة من الصراع الخليجي الإيراني إلى أيامنا الراهنة، إذ بالكاد يذكر العرب أرضاً كانت تسمى عربستان، والتي تمت تصفية قضيتها باتفاق عام 1975، والذي وقع في الجزائر بين العراقيين والإيرانيين. وأخذت الأزمة مداها من خلال الحرب العراقية - الإيرانية، والتي اندلعت بعيد قيام ثورة الخميني في العام 1979، وعلى خلفية مخاوف الدول الخليجية، وعلى رأسها العربية السعودية من امتدادات محتملة للنفوذ الشيعي في المنطقة العربية، قامت بدعم صدام حسين في حربه الدامية التي دامت أكثر من ثمانية أعوام. ومع أن صدام حسين تم إعدامه بطريقة بائسة على يد حلفاء إيران في بغداد، إلا أن مخاوف الدول الخليجية من إيران ازدادت بسبب برنامج إيران النووي، وقوة نفوذها في البحرين ولبنان ودعمها الحكومة السورية، إضافة إلى التهديد المعلن بإغلاق مضيق هرمز وهو الرئة الاقتصادية التي تتنفس من خلالها دول المنطقة ما سيعود بالضرر على دول كالكويت وقطر والبحرين حيث يشكل الخليج نافذتها على العالم. كما أن إيران لم تخف اعتراضها على تدخل قوات درع الجزيرة في البحرين.. ونوهت إلى أنها طالبت لفترة طويلة بالبحرين باعتبارها تابعة لها، ومعروف أن المسؤولين الإيرانيين يؤيدون ما يجري في البحرين لأن: "الأنظمة العربية الدكتاتورية في الخليج الفارسي غير قادرة على منع الانتفاضات الشعبية"..
هوية على حساب هوية
ولا يخفي المسؤولون الإيرانيون صراعهم المفتوح مع بلدان الخليج، ويتهمونها بأنها تقف في الخندق المعادي لبلادهم عبر حض الغرب على توجيه ضربة عسكرية إلى إيران. وها هو مصدر مقرب من الخارجية الإيرانية يقول بوضوح: "أي امتداد شيعي في المنطقة يعتبر امتداداً فارسياً ويعطي إيران حق السيطرة على الموقع".
ولا يدور الحديث عن هذا وحسب، بل عن كون مناطق واسعة من العراق ودول الخليج هي بالأصل ملكية إيرانية. وفي هذا الشأن أعلن رئيس أركان الجيش الإيراني، الجنرال فيروز أبادي، في بيان رسمي، لمناسبة "اليوم الوطني للخليج الفارسي" في 30 نيسان/ أبريل، أن "جبهة الدكتاتوريات العربية" في الخليج معادية لإيران. وأكد أن هذه المنطقة "كانت دائماً ملك إيران". ودان بيان أبادي ما أسماها "مؤامرة" الدول الخليجية "لتشكيل هوية لها على حساب الهوية الإيرانية".. وشدد في بيانه على أن "الخليج الفارسي انتمى وينتمي وسينتمي دائما لإيران".
كما ندد المسؤول الإيراني برفض دول الخليج العربية تسمية الخليج بـ "اسمه التاريخي". وقال إن "قدوم البريطانيين ثم الأمريكيين إلى المنطقة أثار مؤامرات (..) لتحريف التاريخ وهوية الخليج الفارسي". ولم تفوت وسائل الإعلام الإيرانية الفرصة لكي تعيد تكرار أفكار جرى تكرارها كلما تأزمت علاقات بلدها مع جواره العربي. فأوردت: "إن حقول النفط الموجودة في العراق والسعودية والكويت حقول "شيعية" ما يعزز من نفوذ إيران في منطقة الخليج الفارسي". وقد زعم موقع بولتن نيوز الإيراني أن ثمانين في المئة من نفط السعودية يقع في الأماكن التي تقطنها أغلبية شيعية، أي في المنطقة الشرقية للمملكة. ولا يخالف ما يقوله هذا الموقع اتهامات الرياض لطهران بدعم حركة الحراك الشيعي داخلها وفي بلدان الخليج الأخرى.
تلاعب سياسي أم غطرسة!؟
الأوساط الخليجية فسرت تلك التصريحات الإيرانية التصعيدية بشعور طهران بالخوف ما يدفعها إلى التلاعب السياسي لحماية جبهتها الداخلية، ورأت أن تلك التصريحات تؤكد حتمية العمل سريعاً على الدخول في كونفدرالية خليجية تضم دول مجلس التعاون الخليجي، وهو ربما ما يفسر الدعوة السعودية المفاجئة لقيام اتحاد خليجي.
وقال رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الأمة الكويتي، النائب مبارك الخرينج: "إن تلك التصريحات لا تعبر إلا عن غطرسة نظام يعيش تحت قبضته شعب مضطهد فيما نحن دول نعمل بشفافية وتحكمنا اتفاقيات أمنية". وأضاف: "إن ذلك يهدف إلى إثارة الفتنة بين الشعوب الإسلامية".
خطوات في الاتجاه الخاطئ...
إن إعلان إيران 30 أبريل/نيسان عيداً وطنيا للخليج الفارسي لا يحل المشكلة القائمة على الجزر العربية، ولن يثني العرب عن المطالبة بعودة هذه الجزر إلى السيادة الإماراتية. وإذا كانت أهداف زيارة أحمدي نجاد وإعلان الخليج "فارسياً" تتمثل في توجيه رسالة عن ثقة طهران بقوتها ونفوذها المتعاظم في منطقة غنية بالنفط، والإيحاء بأن التهديد بضرب إيران محض كلام ولا يخيف طهران، فإن الأثار المباشرة هي توتير العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي، وتحفيزها على الانتقال إلى الاتحاد لتشكيل محور قادر على كبح المطامع الإيرانية في أراضيها، وتسريع سباق التسلح في المنطقة. ومن المؤكد أن الخطوات الإيرانية لا تصب في مصلحة طهران عند مناقشة ملفها النووي وأغراضه في جولة المفاوضات المقبلة التي تستضيفها بغداد بعد نحو أسبوعين من الآن.
سامر الياس
(المقالة تعبر عن رأي الكاتب، وهيئة التحرير غير مسؤولة عن فحواها)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق