17‏/05‏/2012

التجنيد الالزامي في العراق .. ذكريات مريرة ومخاوف مترسبة



عاد العراقيون إلى الحديث مجددًا عن التجنيد الإلزامي وضرورة إعادة بناء الجيش العراقي على أسس مهنية حقيقية، وأصبح تداول هذه الفكرة طبيعيًا بين الشباب خاصة ما بين الرضا والقبول والرفض والغيظ، فيما كان الذين عاشوا تلك التجربة عبر سنوات الحروب لاسيما في عقدي الثمانينات والتسعينات يستذكرون ايامهم المريرة، وشبابهم الذي راح هدرًا بعد أن امضوا سنواتهم في الجيش وقد خرجوا منه ولم يجدوا أية فرص للعيش بكرامة بعد أن اصبحت شهادات تخرجهم مجرد أوراق للذكرى، وقد وجدوا انفسهم بلا مستقبل حتى أن أحد الذين تحدثت معهم بكى وهو يلعن الجيش والحروب .
وكشفت لجنة الأمن والدفاع البرلمانية مؤخرًا عن وجود توجه لتشريع قانون لإعادة الخدمة الإلزامية في الجيش لمدة 6 أشهر، من اجل ابعاد العراقيين عن الطائفية ودمج فئات المجتمع، مطالبة بوضع ضوابط للتطوع لمنع استغلال الجيش لمصلحة حزب أو جهة معينة.
وقال النائب حامد المطلك: "نحن مع إعادة التجنيد الإلزامي أو خدمة العلم التي يتشرف جميع العراقيين بأدائها لاسيما مع وجود نص دستوري لتشريع قانون لخدمة العلم، لذلك ستدرس اللجنة هذا الموضوع وتقدم مقترح قانون للبرلمان في الفترة المقبلة، بغية إقرارها خدمة لمصلحة العراق"، وأضاف: "اللجنة ستقدم مقترحًا لجعل الخدمة الالزامية ستة أشهر أو سنة واحدة على الاكثر، لأن التجنيد الالزامي سيحل مشاكل عديدة ويقدم فوائد كبيرة أهمها إبعاد العراقيين عن الطائفية ودمج المجتمع مع بعضه وغرس روح المسؤولية والروح الوطنية لدى شباب العراق وجعلهم يشعرون بأنهم ابناء بلد واحد يدافعون عن مصلحة العراق ومستقبله".
كما أكد النائب في لجنة الأمن والدفاع عمار طعمة على ضرورة تطبيق خدمة العلم في العراق للقضاء على حالة المحاصصة والتمايز الطائفي الموجودة في القوات المسلحة، وقال: "إن برنامج التجنيد مطبق في غالبية دول العالم منذ سنوات طويلة، وأن الدستور العراقي نص على إصدار قانون لخدمة العلم، لكنه لم يحدد هل هذه الخدمة طوعية أم إلزامية، وأن العمل بهذا البرنامج بحاجة الى تشريع قانون تقدمه السلطة التنفيذية، على اعتبارها الجهة المستفيدة والمسؤولة عن تقديم مشاريع القوانين، وهذا البرنامج له أهمية كبرى، خصوصاً على صعيد بناء شخصيات الشباب وتوعيتهم بضرورة المشاركة في حماية أمن واستقرار البلاد.
وأضاف عمار: " تجنيد الشباب سيطور قدراتهم ويخلق حالة من الألفة والمحبة بينهم على مختلف أطيافهم، وسيزيد الوعي الثقافي والاجتماعي بما يتناسب مع المرحلة التي يمر بها البلد، فضلاً عن أنه يعتبر وسيلة لتقليص البطالة في البلاد، كما أنه من الضروري تطبيق خدمة العلم في العراق للقضاء على حالة المحاصصة والتمايز الطائفي الموجودة في القوات المسلحة، خاصة بعد أن شهدت البلاد صراعات طائفية بسبب ما خلفه الاحتلال بعد العام 2003."
ومن جانبه عبر الضابط في الجيش العراقي الرائد حسين مريوش عن أمله أن تتغيّر أحوال الجيش العراقي نحو الافضل ويعود مصنعًا للرجال الأبطال، وقال: "اعتقد أن الشباب العراقي لم يعد يرغب في الجيش والعسكرية، بعد أن عاش الجيش العراقي اسوأ مراحله في زمن النظام السابق الذي ساق الشباب الى محرقة الحروب، الجيش العراقي معروف بمهنيته العالية والتزامه الاخلاقي كونه جيشاً عقائدياً له تاريخه المشرف الطويل، ولكن ما تمخضت عنه السنوات من أفواج الشهداء والجرحى والمعوقين، كل هذا يجعل الشباب الذين قرأوا وسمعوا عن تلك المرحلة، أو عاشوا سنوات منها يهربون من التفكير في الخدمة العسكرية، لا يريدونها الزامية لأنهم يتخوفون أن تهدر كرامتهم وتضيّع مستقبلهم وتمتد الى سنوات طويلة.
وأضاف: من حق الشباب أن يشعروا بالخوف ولكن في المقابل لا بد من بناء جيش قوي مثل كل دول العالم، ليس للحروب بل للسلام والحفاظ على المواطنين وحراسة حدود وسماء الوطن، وهو لا يبنى بالتطوع فقط، بل بالتجنيد الإجباري الذي أنا أعتبره مصنعًا للرجال، فالشاب الذي لم يؤدِ الخدمة العسكرية لن يصبح رجلاً بمعنى الكلمة، وقد عشنا تجارب طويلة وعرفنا العديد من الشباب المائعين وقد اصبحوا اشداء .
كما أيد الفكرة الضابط في الجيش العراقي العقيد سمير عادل وقال: "انا اعتقد أن إعادة االتجنيد الإلزامي ضرورة حاليًا، لأننا نعرف أن الجيش سيجمع العراقيين جميعًا، من مختلف المحافظات العراقية ومن الطوائف كافة في معسكر واحد أو في كتيبة واحدة ويأكلون في قصعة واحدة، ولنا في الجيش السابق أسوة حسنة على الرغم من الأذى الذي سببته سياسات النظام السابق في تدمير الجيش وهزائمه، إلا أن هذا لا يمنع إعادته بصورة مناسبة وصحيحة وإعادة الثقة للشباب به، فيجب أن ننسى تمامًا الممارسات السيئة في الجيش السابق، وأن يتعلم الشباب حب الوطن بشكله الحقيقي، لكنني اؤكد على أن الشباب بحاجة الى الجيش لأنه نقطة فاصلة في حياتهم، فستة اشهر قليلة قياسًا للخدمة في السابق ولكنها بالتأكيد ستكون تجربة مثمرة وتقوي من عضد الشاب" .
اما الشاب احمد علي كاظم (18) سنة فقال: "لا أحب العسكرية ولا افتخر بالجيش وأكره سماع التدريبات العسكرية والرتب، فما سمعته من أبي عن معاناته جعلني افكر في الدراسة لأنجح وأشتغل في مهنة جيدة، لا أحب الجيش واذا ما قررت الحكومة أن تكون الخدمة العسكرية إجبارية فسوف أهرب ".
أما الشاب سعد الله خالد (28) عامًا فقد قال: "لا تسألني عن الجيش، والله لا يعيد الخدمة العسكرية الاجبارية علينا وأن تظل للمتطوعين الى الأبد، أعتقد أن الجيش متعب ومزعج وكله أوامر واستعد واسترح وواجبات، ونحن شباب هذا الوقت لا نحب الاوامر ولا الخشونة، خل الله يستر علينا من المفخخات والعبوات، انا اعتقد بصراحة أن العراق لا يحتاج الى جيش كبير ولا الى تجنيد اجباري وعدد الجنود المتطوعين فيه كافٍ، العراق يحتاج الى علماء وطاقات مخلصة تبنيه وترفع من مستوى معيشة البشر فيه لا الى جنود تستعد للحروب وتتعلم استعمال البندقية والمسدس والدبابة والمدفع، سجل عني لا اريد الجيش وارفض أن تعاد الخدمة الالزامية" .
من جهته قال محمد العزاوي (42) عامًا: اوف من الجيش، الله لا يعيد تلك الايام السود، الله يخلي البرلمان ويوفق اعضاءه شرط ألا يفكر أن يعيد الخدمة العسكرية، فما الذي دمر حياتنا غير الجيش، ما الذي سقانا المر وجعلنا نعيش حياة مريرة ومتعبة غير الجيش الذي سرق اجمل سنوات حياتنا، خرجت من الجيش وليست لدي وظيفة وعشت استجدي من هنا وهناك ان يمن عليّ احد بعمل وقد كبرت واصبح شعر رأسي ابيض، والله ما دمر حياتي غير الجيش لهذا انا ارفض أي توجه برلماني لاعادة العمل بالتجنيد وسوف اتضامن مع الشباب في رفضه وسوف اقول لهم إن الجيش سيدمر حياتكم" .
اما عبد الرزاق الظاهر (54) عامًا ،فقال: انا من المواليد التي تسمى المغضوب عليها، من مواليد 1958، اكثر المواليد تضررًا من الجيش والحرب واكثر الشهداء كانوا من هذه المواليد، اكره الجيش وسوف ابكي وانا اتذكر الضابط الامر والنائب ضابط والقسوة والسهر والخفارات والساتر الاول والقسم الاول والقسم الثاني، انت تجعلني أبكي على ايام ضاعت هباء لم نحصل منها الا على القهر والجوع والذل، انا لا اريد لأبنائي ان يمروا بما مررت به، صحيح أن الجيش يصنع رجالاً ابطالاً ولكن ما فائدة البطولة مع الذل والجوع والتسريح بعد سنوات وليس لنا من الدنيا شيء، انا اتمنى من البرلمان أن يتريث وان كان يرى في ذلك منافع .
الكاتب مؤيد عبد الوهاب قال: اعتقد أن الوقت غير مناسب لتشريع مثل هذا القانون، وإن كنت ارى أن الجندية فيها فائدة كبيرة للشباب قبل الانطلاق في مسيرات حياتهم العملية، فقد تعلمنا من الجيش الكثير على الرغم من المنغصات، تعلمنا الصبر واكتسبنا القوة، ولكن ارى أن الواقع الحالي لا يسمح بإعادة العمل بالتجنيد الالزامي لأن الوضع العام للبلد لم يستقر تماما، وما دامت ابواب التطوع مفتوحة فليتم تأجيل هذا الى اجل غير مسمى عندما يتعافى العراق تمامًا وتنتهي مشاكل المحاصصة والطائفية البغيضة .
يذكر أن تاريخ الخدمة الالزامية في العراق يعود إلى العام 1935، عندما اضطرت السلطات البريطانية في العراق الى الرضوخ للمطالبات العراقية الوطنية المستمرة باقرار قانون الخدمة الإلزامية باسم مرسوم إدارة الجيش العراقي، واستمر العمل بهذا القانون حتى قامت السلطة المدنية للاحتلال الأميركي بإدارة بول بريمر بتعليق العمل به بعد سقوط النظام السابق العام 2003.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق