أحمد المرشد
اعتدنا أن تتحفنا إيران بمشروع عسكري واستخدام أسلحة جديدة خاصة من نوعية الصواريخ عابرة القارات وآلاف الأميال كلما تعرضت لنوع جديد من الحصار أو فشلت مفاوضاتها مع الغرب بشأن برنامجها النووي. وهذا ما خرجت به وسائل الإعلام الإيرانية في بدايات الأسبوع الماضي عندما اعتقدت أنها فاجأتنا بأنها اختبرت بنجاح صواريخ متوسطة المدى قادرة على ضرب إسرائيل وذلك ردا على تهديدات بعمل عسكري ضدها. ولكن هذا التهديد المبطن لم يأت ردا على تهديدات إسرائيلية أو أمريكية بتوجيه ضربة عسكرية ضد المفاعلات النووية الإيرانية لإجهاضها، وإنما ردا على الحظر الذي فرضه الاتحاد الأوروبي على مشتريات النفط الخام الإيراني ودخوله حيز التنفيذ بالكامل اعتبارا من أول يوليو الجاري وذلك بعد جولة أخيرة غير مجدية من محادثات القوى الكبرى مع طهران.
وسرعان ما أعلنت إيران عن مناورة التدريب الصاروخي "الرسول الأعظم 7" بعد وقت قصير من إجراء تجربة على صاروخ شهاب 3 الذي يصل مداه إلى 1300 كيلومتر حسب زعمها والقادر على الوصول إسرائيل بعد أن سبق وجربت صاروخي شهاب 1 و2 الأقصر مدى. اللعبة الإيرانية لم تتوقف عند إعلان المشروع العسكري، وإنما ترغب في المبالغة في سرد التفاصيل والهدف.. الهدف الأساسي هنا هو إظهار عزمها السياسي للدفاع عن قيمها الحيوية ومصالحها الوطنية، وذلك على حد زعم القادة العسكريين الإيرانيين، وكأن الشعب الإيراني يعيش في جزيرة معزولة عن الجيران والتاريخ والعالم ومنظومة المعلومات الافتراضية التي تفضح كذب الحكومات على شعوبها.
وما يعلنه الإيرانيون هو بالضبط ما يسميه العسكريون ب" حرب الطاولة" أو ما كان يفعله القادة العسكريون زمان وهو وضع الخطة العسكرية على منظومة إسمنتية لإظهار خطوط العدو وكيفية مهاجمتها أو اختراقها قبل اختراع خاصية البعد الثالث. وأمامنا الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الذي لم يتوان عن ترديد التهديدات لتلقين الأمريكان درسا لن ينساه التاريخ، ثم فوجئنا به يخرج من حفرة في صباح يوم لن ينساه العراقيون.
الإيرانيون وكما هي عادتهم أيضا التي حفظناها عن ظهر قلب، هي اللجوء إلى تهديد الجيران وتحديدا دول مجلس التعاون الخليجي عن طريق إغلاق مضيق هرمز الذي تمر منه صادرات النفط الخليجية والإيرانية إلى العالم. ولا أدري لماذا تلجأ إيران دوما إلى مثل هذا التهديد وتؤكد هيمنتها العسكرية على المضيق لتثير قلق صناعة النفط التي تخشى إعاقة إمدادات النفط العالمية.
والتساؤل الآن :" هل تنفذ إيران تهديدها بإغلاق المضيق كما أعلن رامين مهمان باراست المتحدث باسم الخارجية الإيرانية أن بلاده كما هي مستعدة بكل قوتها لتوفير الأمن في منطقة الخليج وأمن نقل شحنات النفط هي أيضا على أتم الاستعداد لحظر مرور الناقلات فيه؟".. ولهذا ولكي يقف القادة الإيرانيون على أرض صلبة في حالة تنفيذ تهديدهم، فقد أوعزوا إلى مجموعة من النواب الإيرانيين لتقديم مشروع قانون داخل البرلمان يدعو الجمهورية الإسلامية إلى محاولة وقف ناقلات النفط المتجهة عبر مضيق هرمز إلى بلدان تؤيد العقوبات ضد إيران.
المهم في سريان الحظر الأوروبي على شراء النفط الإيراني ومنع تقديم الخدمة في موانئها للناقلات البحرية التي تحمل نفطا إيرانيا مع منع شركات التأمين العالمية من تقديم خدمة التأمين على تلك الناقلات، أن شحنات النفط الإيرانية ستشهد تراجعا نسبته 40 % بالفعل هذا العام مع قيام أكبر عملاء طهران - الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية - بخفض أو وقف مشترياتهم بسبب العقوبات الغربية التي تهدف إلى وقف برنامج إيران النووي.
ويبدو أن إيران لم تمل لعبة تصريحاتها الزائفة وهي ممارسة الضغوط وأن فرض العقوبات ضدها سيكون له آثار سلبية على سير المفاوضات بين إيران والمجموعة (5+1). ولكن مثل هذا التصريح الأخير خرج من طهران هذه المرة عندما أعلنت الولايات المتحدة أنها وضعت تعزيزات عسكرية في منطقة الخليج بهدف ردع القوات الإيرانية من أي محاولة محتملة لإغلاق مضيق هرمز، كما زاد عدد الطائرات المقاتلة القادرة على ضرب مسافات عميقة داخل إيران في حال تصاعدت المواجهة بشأن برنامجها النووي الإيراني. ومن الواضح أن مسألة نشر القوات الأمريكية تعد جزءا من الجهود الطويلة المبذولة لتعزيز الوجود العسكري الأمريكي في منطقة الخليج ولطمأنة إسرائيل من معاونة أمريكا لها.. ولا يهمنا في هذا المقام أولوية الأهداف الأمريكية من تلك التعزيزات، أي طمأنة دول الخليج أم دعم إسرائيل وطمـأنتها أيضا، ولكن المهم هو أن واشنطن نجحت في إقناع شركائها الأوروبيين على تطبيق فرض حظر واسع على صادرات النفط الإيرانية لإجبار طهران على الحد من قدراتها النووية، حتى وإن ظهرت مخاوف من أن تلك التحركات والحشد الدولي الذي تعمد إليه القوى الغربية قد يسفر عنه مخاطر كبيرة تتضمن قيام الحرس الثوري الإسلامي الإيراني باتخاذ قرار للرد على النفوذ الغربي المتزايد.
إذا.. الرسالة الأمريكية للإيرانيين هي تحذير طهران من التفكير في إغلاق المضيق وألا تفكر أيضا في مسألة إرسال الزوارق السريعة لعرقلة مرور ناقلات النفط العملاقة أو السفن التجارية. ويأتي التصرف الأمريكي عشية الانتخابات الأمريكية وفي إطار الحرب على تحقيق الانتصار الرئاسي بين الديمقراطي باراك أوباما والجمهوري ميت رومني، فالرئيس أوباما يطبق سياسة المسارين السياسي والعسكري أي التفاوض في يد والتلميح بضرب إيران في اليد الأخرى، فإذا فشلت المفاوضات، حل دور فرض عقوبات جديدة بهدف الضغط على عائدات إيران النفطية، وإذا فشل الخيار الأخير، فليس أمام الأمريكيين سوى ممارسة الضغوط العسكرية. وكل هذا للرد على اتهامات المرشح الجمهوري للرئيس الديمقراطي بأنه يتعامل بضعف مع إيران. كما أن أوباما يطبق سياسة " المسارين" أيضا لإبراز صلابته دون ترجيح إمكانية نشوب أزمة في منطقة الشرق الأوسط من خلال سياسة الشدة واللين التي يعتمدها، ومن ثم يغازل الإسرائيليين حتى يقطع خط الود مع الجمهوريين،لإثبات مدى قلقه على أمنها والعمل على تحقيق الدعم لإسرائيل، ولكن ليس الدعم الذي يجعل الإسرائيليين ينظرون لهذا الحشد باعتباره فرصة لضرب المنشآت النووية الإيرانية.
وأعتقد أن إيران على وشك مواجهة اقتصادية طاحنة وأن تهديداتها ليست إلا لحرف أنظار الداخل الإيراني عن خطورة تلك الأزمة، ولعل ما ذكره رئيس شركة النفط الوطنية الإيرانية أحمد غلابيني "إنه من المنتظر أن تنخفض صادرات النفط الخام إلى نسبة تتراوح بين 20% إلى 30% خلال النصف الثاني من العام الجاري وذلك نظرا للعقوبات الدولية المفروضة علينا "، ليؤكد خطورة الموقف الاقتصادي الإيراني والذي لا يتحدث عنه بقية المسؤولين بوضوح أمام شعبهم. يضاف إلى هذا، تقرير مؤسسة استشارات الطاقة في فيينا "جي بي سي " الذي أكد أن " معدلات إنتاج النفط الخام الإيراني قد انخفضت إلى أدنى مستوياتها منذ عام 1989 حيث أنتجت إيران 3 ملايين برميل يوميا خلال الشهر الماضي، مقارنة ب 3.7 مليون برميل في الفترة ذاتها من عام 2010 أي قبل منع تدفق الاستثمارات الأوروبية في قطاعي النفط والغاز الإيرانيين ". وأمام تلك الحقائق عن الاقتصاد الإيراني، لا يهمنا ما جاء على لسان وزير النفط الإيراني رستم قاسمي التي زعم فيها استعداد بلاده لمواجهة العقوبات الدولية المفروضة عليها، لأن ليس أمامه سوى ترديد مثل هذه الأكاذيب لإقناع الداخل بأن ليس هناك أزمات اقتصادية، في حين أن التقارير الواردة من إيران تؤكد شعور الإيرانيين بعبء العقوبات الاقتصادية وزيادة نسبة البطالة والتضخم واختفاء السلع الرئيسية من الأسواق وإغلاق بعض المشروعات الخاصة.
ليس الخارج فقط الذي يعرف جيدا حجم المأساة، فالمواطن الإيراني العادي يشكو ويئن من تراجع مستوى المعيشة بسبب انخفاض حجم الدعم الحكومي نتيجة تقليص العائد الأجنبي.. المؤكد أن الأراضي الإيرانية مليئة بالنفط والغاز الطبيعي، ولكن ماذا يفعل الإيرانيون بمخزون الأرض طالما لم يخرج من باطنها ويصدر لبقية بقاعها والاستفادة بعائداته؟.. وهل يأكل ويشرب الإيرانيون النفط إذا لم يصدر للخارج؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق