26‏/07‏/2012

حلب نقطة حسم بين بقاء الأسد وسقوطه



لعلّ حافظ الأسد لا يدخل التاريخ بوصفه من أكثر الحكام الذين عرفتهم سوريا رحمة ولكنه بالتأكيد من أكثرهم دهاء. فهو إذ أدرك بأن عليه أن يكسر حلقة الانقلابات المتعاقبة التي ابتلت بها سوريا قبل أن يستولي على السلطة بحركته "التصحيحية" عام 1970، تعلَّم بسرعة درسا فات المنكودين ممن سبقوه الى السلطة. ويقول هذا الدرس "إنك لكي تحكم سوريا عليك ان تسيطر على حلب".
وكانت حلب الشهيرة في تاريخ المشرق من أكثر مدنه تمردا ايضا. وكان أول انقلابين في تاريخ سوريا الحديثة من تدبير حلبيين هما العقيد حسني الزعيم بانقلاب نيسان(ابريل) 1949 والعقيد سامي الحناوي بعده بأربعة أشهر. وكلاهما لقيا نهاية دموية سريعة.
وأدرك الأسد أنه من أجل البقاء، عليه أن يكسب تأييد تجار حلب الذين كثير منهم مسيحيون، وكسب مراجعها الدينية السنية ايضا. وأقام الأسد تحالفات مصلحية مع الفئة الأولى واشترى الثانية ناجحا في إرضاء المدينة.
ورغم ان حلب تعتبر شكليا ثاني مدن سوريا، فإنها تقدمت على دمشق طيلة الشطر الأكبر من تاريخها الحديث.
وعند حلب التي تقع قرب الحدود التركية، ينتهي طريق الحرير من الصين لتبقى مركزا تجاريا بالغ الأهمية طيلة قرون، بتراث معماري رائع من الخانات والأسواق، كما يصفها مراسل صحيفة الديلي تلغراف في الشرق الأوسط ادريان بلوفيلد.
ونالت حلب اعتراف العالم بأهميتها، فعندما كانت شركة المشرق البريطانية تبحث عن مقر لها في الشرق الأوسط أواخر القرن السادس عشر، اختارت مدينة حلب.
ونجح حافظ الأسد في نقل كثير من التجارة الى دمشق، ولكن حلب تبقى أهم المدن الصناعية في سوريا.
وفي عهد نجله ووريثه بشار، ظل الاستقرار سائدا في حلب، وحتى عندما اشتعلت الانتفاضة ضد نظامه العام الماضي، كانت حلب من اشد المدن السورية عنادا إزاء الانضمام الى الانتفاضة.
وكان المتظاهرون في المدن المنتفضة كثيرا ما يرددون هتافات تقول "أين أنتِ يا حلب؟" اعترافا بعجز المعارضة عن تحريك المدينة التي يمكن أن تحسم الفرق بين بقاء الأسد وسقوطه. 
ورغم بقاء قطاعات من سكان حلب موالية للرئيس السوري، فان مقاتلي المعارضة تمكنوا أخيرا من إقامة موطئ قدم في المدينة العريقة. ويرى محللون أن ما أسهم في نجاحهم هذا، حقيقة أن الأسد اضطر الى سحب قوات من المدينة لحماية العاصمة فأضعف الدفاعات في حلب.
ولكن حتى إذا استعاد الأسد سيطرته على حلب، فان المدينة منقسمة الآن أكثر بكثير مما كانت في السابق. وفي الشمال حيث التيارات الاسلامية قوية أصبحت مدن مهمة مثل عزاز وحريتان وعندان معاقل للمعارضة فيما تردد ان مقاتليها يسيطرون الآن على عزاز.
ولكن في حلب نفسها، انقلبت شرائح واسعة من الطبقة العاملة السنية على النظام، كما أظهرت سلسلة من هجمات التحريق التي استهدفت معامل في المدينة خلال الأشهر الأخيرة.
وبدأ أصحاب المعامل يدركون ان تأييد النظام لم يعد من مصلحتهم. فإن عمالهم اتخذوا جانب المعارضة وتجارتهم كسدت بعدما أصبح من المتعذر نقل البضائع الى الحدود التركية القريبة، والانتفاضة أوقعت البلد في أزمة اقتصادية.
ومن الجائز تماما ان تنفضَّ عن النظام طبقة التجار التي نجح الأسد الأب في مغازلتها، ومن دون حلب، المدينة التي تخافها أسرته، فان فرص بقاء الرئيس تبدو قاتمة أكثر من أي وقت مضى.

المصدر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق