14‏/08‏/2012

سباق إسرائيلي أميركي إيراني استعداداً لساعة الصفر

محطة بوشهر الكهرذرية


يخوض الإسرائيليون والأميركيون والإيرانيون سباقاً مع الزمن استعداداً لساعة الصفر، الإسرائيليون يهيئون ساحتهم الداخلية، ويستكملون استعداداتهم العسكرية، لتنفيذ هجوم عسكري على المنشآت النووية الإيرانية، يضع له الخبراء العسكريون في تل أبيب سقفاً زمنياً حتى تشرين الثاني (نوفمبر) القادم.
وفي خط مواز يشدِّد الأميركيون الخناق الاقتصادي والتجاري والدبلوماسي على إيران، كمسار بديل لإقناع حكومة نتنياهو باستبعاد الخيار العسكري إلى حين استنفاذ وسائل الضغط قيد التطبيق، والانتهاء من الانتخابات الرئاسية الأميركية. في هذه الأثناء، تطوِّر إيران منظومة دفاعها الجوي، وتراكم قدراتها الصاروخية، وتحصِّن منشآتها النووية وتخبئها تحت الأرض، وتعيد توزيعها جغرافياً، جنباً إلى جنب مع مضاعفة الجهود لتحقيق تقدم علمي وتقني نوعي في برنامجها النووي، يدخلها "نادي الدول النووية" بتسليم دولي.

مصادر مقربة من دائرة صنع القرار في إسرائيل تجزم بأن إيران ستُتم في كانون الثاني /ديسمبر القادم خطة مشروعها النووي على اختلاف أجزائه العلمية والصناعية والعسكرية، وامتلاك "مجال الحصانة" بتخطي العتبة النووية، وفي ما يلي ذلك تستطيع التقدم في مشروعها النووي دون خوف من هجوم إسرائيلي عسكري فعال.
الخبير في الشؤون العسكرية والباحث الإسرائيلي إليكس فيشمان كتب مقالة افتتاحية في صحيفة "يديعوت أحرانوت" شرح فيها ما سبق، من باب التوكيد، بالقول: "ليس الحديث عن إفشال القدرة الإسرائيلية عن العمل سراً على مجابهة المشروع الذري الإيراني، بل الحديث عن مضاءلة كبيرة -إلى الصفر تقريباً- للقدرة على تنفيذ هجوم كثيف ناجع مع أطنان كثيرة من المواد المتفجرة والقضاء على المنشآت الذرية.
في السباق بين تطوير الوسائل الهجومية في إسرائيل وإنشاء منظومة دفاعية في إيران يسجل الإيرانيون لأنفسهم انجازاً مذهلاً، فقد أصبحت خطة دفاعية، واستغرق تنفيذها وقتاً كثيراً لكن المهندسين الإيرانيين سيقدمون السلعة في نهاية السنة..".
ويضيف فيشمان: "ستُغلق إذاً في كانون الأول/ديسمبر بادي الرأي بالنسبة لإسرائيل نافذة الفرص العسكرية للهجوم. ولا يعني هذا أن هذه النافذة لا يمكن أن تُفتح مرة أخرى في المستقبل بعد سنة أو سنتين إذا أحرزت إسرائيل قدرة عسكرية لا تملكها اليوم، والمشكلة أن إيران ستكون آنذاك في مكان آخر من المجال الذري.. والمعنى الاستراتيجي لهذا أن إسرائيل ستجد نفسها منذ كانون الأول/ديسمبر القريب في وضع تكون فيه متعلقة تماماً بجهة خارجية، أميركية، يفترض أن تزيل عنها ما تُعرِفه بأنه تهديد وجودي. وقد فعلت جميع قيادات إسرائيل على اختلاف أجيالها كل شيء كي لا تبلغ إلى هذه الزاوية".
وحول الاستعدادات العسكرية الإسرائيلية للهجوم على المنشآت النووية الإيرانية ونتائجه المتوقعة، نشرت الصحيفة ذاتها تقريراً أعده يوني كوهن أدوب، رصد فيه حجج المؤيدين والمعارضين للهجوم، وآثاره المحتملة على إسرائيل، والرد الإيراني، وردود الفعل الأميركية والدولية، والبدائل المطروحة، ودور الولايات المتحدة.
المؤيدون للهجوم يسوقون مجموعة من الحجج أهمها:
أولاً: الهجوم سيكون فعالاً من الناحية العسكرية، لأن إسرائيل تلقَّت من الولايات المتحدة قنابل مخترقة للخناق، وتتدرب وتخطط منذ زمن بعيد للهجوم، وذات تجربة في عمليات من هذا النوع.
ثانياً: إسرائيل قادرة على مواجهة حرب تقليدية، حتى في ظل انضمام (حماس) و(حزب الله). ستكون قاسية وأليمة، ولكن هذا ليس تهديداً وجودياً.
ثالثاً: دول عديدة، بما فيها معظم الدول العربية قد تندد بالعملية العسكرية علناً، ولكن في الخفاء ستفرح بها، وليس معقولاً أن تفرض على إسرائيل أي عقوبات.
ويدحض المعارضون للهجوم حجج المؤيدين بحجج مقابلة من بينها:
أولاً: الإيرانيون تعلموا دروس القصف للمفاعل في العراق، والمفاعلات موزعة على منطقة واسعة، محمية جيداً ومبنيّة تحت الأرض.
ثانياً: المعرفة التي اكتسبها الإيرانيون لا يمكن شطبها بهجوم عسكري. فتدمير المفاعلات سيؤخر في الحدِّ الأقصى التحول النووي لإيران، لكنه لن يحبطه تماماً.
ثالثاً: تستطيع إيران إعلان حرب على إسرائيل وتطلق -بذاتها ومن خلال حزب الله وحماس- آلاف الصواريخ نحو المدن الإسرائيلية.
رابعاً: حتى الدول الصديقة لإسرائيل تشعر بأن البدائل لم تستنفد بعد ولن تقبل بهجوم إسرائيلي في هذه اللحظة. فبعد الهجوم سيرتفع سعر النفط إلى مستويات قياسية غير مسبوقة، ستؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار في الاقتصاد العالمي، وإسرائيل ستعتبر مذنبة. ويحتمل أن يغضب ذلك روسيا والصين ويدفعهما للرد بخطوات دبلوماسية واقتصادية ضد إسرائيل.
بخصوص البدائل، يرى المؤيدون للهجوم العسكري أنه رغم التدهور القاسي في الاقتصاد الإيراني، لا يوجد أي مؤشر على أن العقوبات تردع النظام. وإذا كان من المحتمل في غضون بضعة شهور أن يهتز النظام في إيران، إلا أنه يحتمل أيضاً أن تجتاز طهران حتى ذلك الحين نقطة اللاعودة في تطوير القنبلة الذرية. ويقلّل المؤيدون من تأثير ما يسمى "حربال هادئة" ضد طهران، من خلال تفجيرات مركزة، واغتيالات للعلماء أو تخريب للحواسيب، بحجة أن "الحرب الهادئة" لن يكون بوسعها أن تعطل البرنامج النووي الإيراني، وفي الحدِّ الأقصى المس به.
وعلى النقيض من ذرائع المؤيدين، يلاحظ المعارضون للهجوم أن العقوبات الشديدة من جانب الاتحاد الأوروبي.
كانت بداية هذه العقوبات فقط في الأول من تموز /يوليو الماضي، وفرضت الولايات المتحدة مؤخراً عقوبات أخرى، لا يزال ممكناً تشديدها. وحسب التقديرات، يمكن في غضون بضعة شهور أن يهتز استقرار النظام الإيراني بقوة. وينبِّهون إلى أنه إذا كان صحيحاً أن "الحرب الهادئة" ليس بوسعها تعطيل البرنامج النووي، فمن الصحيح أيضاً أن الهجوم العسكري لن يستطيع تحقيق هذه المهمة، فضلاً عن أن المخاطرة في "حرب هادئة" أقل بكثير من المخاطرة في الهجوم العسكري، ولا يوجد أي سبب يدعو إلى عدم مواصلة (الحرب الهادئة) في كل الأحوال.
وبتقديرهم للدور الذي يمكن أن تضطلع به الولايات المتحدة، يتحدث المؤيدون لهجوم عسكري إسرائيلي عن نافذة زمنية من ثلاثة شهور قبل أن يكون الهجوم العسكري غير ناجع. وهم مقتنعون بأنه من غير المعقول أن تهاجم الولايات المتحدة قبل الانتخابات في تشرين الثاني /نوفمبر، وإذا انتصر رومني، ليس معقولاً أن تهاجم في الشهور الأولى من ولايته. كما لا يمكن تقدير النوايا الأميركية، لاسيما في سنة الانتخابات. فالولايات المتحدة ترى في إيران تهديداً، لكن التورط في العراق وفي أفغانستان لا يزال يثقل عليها، وواضح أنها لا تسارع إلى الهجوم.
ويردّ المعارضون لهجوم عسكري إسرائيلي بأن للولايات المتحدة، خلافاً لإسرائيل، المقدرات لإدارة هجوم متدحرج، وليس فقط توجيه ضربة وحيدة. كما أن للأميركيين مكانة عالمية تجعل الهجوم يستقبل بتفهم، ويمنع عن إسرائيل أي آثار دبلوماسية.
من نافذة أوسع، يصف الكاتب الإسرائيلي وناشط السلام المعروف جدعون ليفي الجدل الإسرائيلي حول الهجوم العسكري على إيران بـ"فظاظة مرضية" ويشرح وصفه بالقول: "أزعر الحي الذي يعتقد أن كل مشكلة يجب أن تُحل بالقوة، يؤمن أيضاً بحقه وقدرته على تبديل نظم الحكم وكأنها جوارب، في لبنان أول أمس وفي غزة أمس وفي إيران غداً. بيّْد أن أكثر الخبراء يُبينون أن القصف الإسرائيلي سيحطم المعارضة الإيرانية ويوحد الشعب تحت سلطة نظامه، مع تعزيز الباعث على التسلح بسلاح ذري، وزيادة الشرعية هذه المرَّة بعد الهجوم الإسرائيلي.. يعلم المُهيجون كل ذلك.. إن عدداً منهم هازلون وعدداً خلاصيون وعدداً يُسمعون أصوات سيدهم وعدداً صادقون في اعتقادهم، وهم يريدون حرباً فقط، حرباً أخرى".
متى وكيف وأين سيتوقف السباق الإسرائيلي الأميركي والإيراني مع الزمن؟ الحديث يدور عن احتمال نشوب أكبر الحروب مصيرية في منطقة الشرق الأوسط بالتغيرات الدراماتيكية التي ستنجم عنها. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق