قالت مصادر في الثورة الليبية، إن المسلحين الذين قتلوا القائد العسكري لقوات الثورة، عبد الفتاح يونس، هم من مقاتلي الثورة، مما يثير تساؤلات عن حدوث انقسامات وغياب الالتزام داخل صفوف الثورة.
وقد أضر مقتل يونس على يد مقاتلين من الثورة بالأخيرة، في الوقت الذي بدأت تكتسب فيه اعترافا دوليا أوسع، وتشن هجوما ضد قوات معمر القذافي في غرب البلاد.
وبينما لا تزال المعلومات شحيحة، فيما يستبعد قليلون تماما إمكانية أن يكون أنصار معمر القذافي قتلوا بطريقة أو بأخرى عبد الفتاح يونس، يقول مراقبون إن الانقسامات داخل المعارضة كانت تتنامى بالفعل قبل مقتله.
لكن شميس عاشور، وهو ناشط ليبي مقيم في لندن، رجح في وقت أن تكون عملية اغتيال نفذها معسكر القذافي: "إنها عملية اغتيال على ما يبدو دبرها رجال القذافي"، وتابع: "من المؤكد أن هناك خيانة.. خلية ساكنة بين المعارضين."
الترهوني: يونس قتل برصاص مقاتلين من المعارضة
وبعد 24 ساعة من الارتباك، قال وزير النفط بحكومة الثورة الليبية، علي الترهوني، أمس الجمعة، إن يونس قتل برصاص مقاتلين من المعارضة، أرسلوا لإحضاره من جبهة القتال، وإنه عثر على جثته مصابة بالرصاص ومحترقة جزئيا في مزرعة قريبة من بنغازي، معقل المعارضين.
وقال الترهوني، إنه تم اعتقال قائد ميليشيا كان تلقى أوامر بإحضار يونس من خط الجبهة قرب مدينة البريقة النفطية، وأضاف أن قائد الميليشيا اعترف بأن جنوده قتلوا يونس، ولا يزال الجناة الذين أطلقوا الرصاص طلقاء.
وكان يونس ضمن الدائرة المقربة من القذافي منذ انقلاب عام 1969، الذي أتى بالقذافي إلى السلطة، وكان وزيرا للداخلية قبل أن ينضم للثورة في فبراير/ شباط.
الاشتباه بأن يونس قتل بدافع الريبة من علاقته مع نظام القذافي وإعاقته التقدم على جبهة الشرق
ولم يشعر الكثير من مقاتلي الثورة بالارتياح للقتال تحت إمرة رجل كان قريبا جدا من القذافي لمدة 41 عاما، وقالت مصادر في الثورة إنه تم استدعاء يونس للاشتباه بأنه أو أسرته على اتصال بالقذافي سرا.
وزادت شائعات عن احتمال نقل يونس معلومات إلى طرابلس من الاستياء الواسع النطاق من التقدم البطيء للقتال على الجبهة الشرقية الليبية، حيث لا يزال مقاتلو الثورة يرواحون مكانهم حول ميناء البريقة النفطي.
وقال ألان فريزر، وهو محلل لدى شركة "إيه كي آي" لاستشارات المخاطر، ومقرها لندن: "إذا كانت هناك شائعات بأن اللواء يونس كان يزود القذافي بمعلومات، سيكون من المنطقي إذا أن بعض العناصر المارقة قد سعت لاغتياله."
وقال هنري سميث، محلل الشؤون الليبية في مجموعة كونترول ريسكس لاستشارات المخاطر، ومقرها لندن: "الحادث ألهى الشخصيات المعارضة بالفعل عن خط الجبهة، ومن المرجح أن يزيد من عدم قدرتهم على الاستيلاء على البريقة. الخلافات على الميليشيا والقيادة العسكرية كانت واضحة منذ شهور، حدث مثل هذا من المرجح أن يفاقمها وسط حالة واضحة من عدم اليقين."
ولم تعلق أسرة يونس الذي شيع جثمانه يوم الجمعة وسط بنغازي، على من تعتقد أنهم قتلوه، لكنها تعهدت بالولاء للزعيم السياسي للمجلس الوطني الانتقالي المعارض، مصطفى عبد الجليل.
وقال سراج، وهو جندي وصف نفسه بأنه قريب ليونس، إنه سمع أن يونس واثنين آخرين من المسؤولين العسكريين قتلا معه، ذهبوا دون مقاومة مع رجال استدعوهم إلى بنغازي، وقال: "سمعنا فيما بعد أنهم قتلوا."
وقال حكيم، ابن أخ يونس، إن حشدا من الرجال، بعضهم كان يرتدي زيا عسكريا، وبعضهم كان يحمل بنادق، أحضروا إلى الساحة نعشا آخر كان يحمل جثمان أحد اللذين قتلا مع عمه.
هل أمر قادة الثورة بإعدام يونس؟
وقال دانيال كورسكي، وهو باحث سياسي كبير بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: "ظهر في الآونة الأخيرة قدر أكبر من وحدة القيادة، وربما زاد من تسهيل ذلك الآن القضاء على قائد عسكري ربما يثير الانقسام.. لكنه يمثل مع ذلك انقلابا دعائيا للعقيد القذافي، وللذين دائما ما يصفون المعارضة بأنها غير منظمة وتفتقر إلى الكفاءة على الدوام."
وثمة انقسام في صفوف الثورة بشأن من يتحمل مسؤولية مقتل يونس، ويرتاب البعض بأن قادة الثورة أمروا بإعدامه بتهمة الخيانة، ويعتقد كثيرون أنه قتل على أيدي أنصار القذافي الذين تسللوا وسط صفوف الثورة، ويلمح البعض الآخر إلى أن مجموعة منشقة من الثورة تصرفت بشكل منفرد.
وقال المحلل شاشانك جوشي: "البديل الآخر المحتمل أيضا أن يكون هذا إعدام دون محاكمة على أيدي معارضين أنفسهم،
وقال جوشي، وهو محلل في المعهد الملكي لدراسات الدفاع والأمن في لندن، إن هذا التفسير سيسلط الضوء على انقسامات في صفوف الثورة، من المعروف أنها قائمة بالفعل، وسيضع علامة استفهام على إمكانية الثقة في الثورة، كشركاء من قبل الدول الغربية.
وأضاف: "كل هذه الأشياء قد تهين الحكومات التي أيدت المعارضة، لاسيما بريطانيا التي نزلت إلى الحلبة مؤخرا."
ودعت الولايات المتحدة بعد حادث اغيال يونس، والتي اعترفت مع نحو 30 دولة أخرى بالمجلس الوطني الانتقالي، لتوحيد صفوف الثورة، وقال مارك تونر، المتحدث باسم وزارة الخارجية الامريكية: "المهم هو أن يعملوا بجد وشفافية لضمان وحدة المعارضة الليبية."
"الاغتيال موضع تحقيقات.. والثورة ستتعافى وسيكون هناك قادة آخرون"
وقال عمر الحريري، وزير الدفاع في الثورة الليبية وفقا لرويترز، إن مقتل يونس لا يزال موضع تحقيقات، وإنه سيكون خسارة كبيرة لزعيم كبير.
وجاءت أقوال الحريري تلك زار الحريري خلال زيارة للجبهة في غرب ليبيا أمس الجمعة، وقال وفقا لرويترز، عند نقطة تفتيش، إن مقتل يونس سيكون له تأثير بالطبع على الثورة، لكنها ستتعافى وسيكون هناك زعماء آخرون.
وقال مصطفى عبد الجليل في وقت سابق أمس، إن القتلة لم يلق القبض عليهم بعد، لكنه أضاف أن رئيس الخلية المسلحة التي تشير أصابع الاتهام إليها، والتي ارتكب أحد أفرادها هذه الجريمة الفردية البشعة اعتقل، ولكنه لم يدل بتفاصيل.
وقال المحلل ديفيد هرتويل من "إي إتش إس" في لندن، إن يونس "كان واحدا من عدد قليل من القادة العسكريين الكبار في المعارضة، يحظون بالثقة، وكان شخصية رئيسية في المساعدة في تحقيق الاستقرار، وإعادة تنظيم مقاتلي المعارضة."
وقالت شخصيات على الجبهة قرب مصراتة، إنهم يرون يونس شهيدا، وتعهدوا بالثأر لمقتله.
كتيبة شهداء 17 فبراير أم كتيبة عبيد ابن الجراح؟
ويقول مقاتلو الثورة إن أفرادا في كتيبة شهداء 17 فبراير، التي تخوض معارك على جبهة القتال، وتساعد في فرض الأمن في الشرق الذي تسيطر عليه الثورة، أحضروا يونس من جبهة القتال قرب بلدة البريقة، يوم الخميس.
وأضافوا أن يونس كان يعرف ويثق بالأشخاص الذين جاءوا لاصطحابه، ورافقهم دون معارضة، حين أوضحوا أنهم جاءوا بأمر من القضاء لنقله لبنغازي واستجوابه.
وتتكون كتيبة شهداء 17 فبراير من متطوعين مدنيين، يقودهم عسكريون، ويستعين بها المجلس الانتقالي للقيام ببعض المهام الشرطية في كثير من الأحيان.
ولكن الترهوني قال إن ميليشيا أخرى، تحمل اسم كتيبة عبيدة ابن الجراح، قتلت يونس.
وقال سكان بنغازي، إن كتيبة عبيدة ابن الجراح تتكون بصفة أساسية من مسجونين سابقين في سجن أبو سليم سيء السمعة في العاصمة طرابلس، وأنهم لا يثقون بيونس، ومن المحتمل أن يكون للميليشيا ميول اسلامية.
نظرية الاسلاميين
وقال أحد قادة الثورة، طلب عدم نشر اسمه، إن الاسلاميين الذين استهدفهم يونس حين كان وزيرا للداخلية ربما قتلوه بدافع الانتقام.
وقال: "بعض هؤلاء الاسلاميين يقاتلون مع المعارضة، ودائما ما رفضوا القتال تحت قيادة يونس، وكانوا ينظرون إليه بريبة باستمرار، لا أعتقد أن التحقيق سيقود إلى شيء.. لا يمكنهم المساس بالاسلاميين."
وأنحت الحكومة في طرابلس، التي حذرت باستمرار من النفوذ الاسلامي في الشرق، باللوم على تنظيم القاعدة.
فقد قال موسى إبراهيم، المتحدث باسم الحكومة الليبية أمس الجمعة، إن إن القاعدة مسؤولة عن قتل عبد الفتاح يونس. كما قال إن القوات الموالية لمعمر القذافي قتلت 190 معارضا على الأقل، في قتال في غرب البلاد منذ يوم الأربعاء.
وذكر التلفزيون الليبي اسم معارض قال إنه قاتل يونس.
أحد أقارب يونس مرشح لخلافته في محاولة لتهدئة قبيلته، والعائلة تعلن ولاءها للثورة
ويزيد من تعقيد الوضع الغامض إبداء بعض الليبيين مخاوفهم من أن يفجر مقتل يونس صراعا قبليا دمويا، وعقب تشييع جنازة يونس، أعلنت قبيلة العبيدي التي ينتمي إليها، الولاء للثورة.
وفي محاولة على ما يبدو لتهدئة قلق أقارب يونس، قالت مصادر في الثورة إن سليمان محمود العبيدي، وهو من القبيلة نفسها قد يخلفه.
وقال مصدر، إن من المرشحين البارزين لخلافة يونس خليفة حفتر، الذي خسر في وقت سابق المنافسة على قيادة قوات الثورة.
ذلك بينما قال ابن أخ عبد الفتاح يونس، محمد يونس، لحشد من المشيعين في الساحة الرئيسية ببنغازي، إنه يوجه رسالة لرئيس المجلس الوطني الانتقالي مصطفى عبد الجليل، مفادها أن عائلة يونس ستمشي معه إلى آخر الطريق.